الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الاستعاذة والبسملة في بداية ووسط السور

السؤال

عندما أُختبَر في القرآن كاملًا، تكون المقاطع في سور مختلفة، فهل أبسمل عند الانتقال من سورة لسورة؟ ولو كان المقطع من بداية سورة التوبة أو حتى من الوسط، فهل أستعيذ في هذا المقطع أم أنتقل بين السور بدون بسملة أو استعاذة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن كان المقطع الذي ستقرئينه من بداية السورة فينبغي أن تبسملي، وإن كان من غير بدايتها فأنت بالخيار بين أن تبسملي أو تتركي البسملة. وهذا في غير سورة التوبة.

أما في سورة التوبة: فلا تقرأ البسملة عند بدايتها اتفاقًا، وفي غير بدايتها خلاف، والصحيح مشروعية قراءتها فيه؛ قال الإمام الشاطبي -رحمه الله-:
ولا بُد منها في ابتدائك سورةً سواها، وفي الأجزاء خيَّر من تلا.

وقال الإمام ابن الجزري في النشر: يَجُوزُ فِي الِابْتِدَاءِ بِأَوْسَاطِ السُّوَرِ مُطْلَقًا سِوَى (بَرَاءَةَ) الْبَسْمَلَةُ وَعَدَمُهَا لِكُلٍّ مِنَ الْقُرَّاءِ تَخَيُّرًا. وَعَلَى اخْتِيَارِ الْبَسْمَلَةِ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ، وَعَلَى اخْتِيَارِ عَدَمِهَا جُمْهُورُ الْمَغَارِبَةِ وَأَهْلُ الْأَنْدَلُسِ. اهـ.

وقال أيضًا: الِابْتِدَاءُ بِالْآيِ وَسَطَ بَرَاءَةَ قُلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لِلنَّصِّ عَلَيْهَا، وَلَمْ أَرَ فِيهَا نَصًّا لِأَحَدٍ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَظَاهِرُ إِطْلَاقِ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ التَّخْيِيرُ فِيهَا، وَعَلَى جَوَازِ الْبَسْمَلَةِ فِيهَا نَصَّ أَبُو الْحَسَنِ السَّخَاوِيُّ فِي كِتَابِهِ (جَمَالُ الْقُرَّاءِ) حَيْثُ قَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلَافٍ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً، وَفِي نَظَائِرِهَا مِنَ الْآيِ، وَإِلَى مَنْعِهَا جَنَحَ أَبُو إِسْحَاقَ الْجَعْبَرِيُّ، فَقَالَ رَادًّا عَلَى السَّخَاوِيِّ: إِنْ كَانَ نَقْلًا فَمُسَلَّمٌ، وَإِلَّا فَرَدٌّ عَلَيْهِ أَنَّهُ تَقْرِيعٌ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ وَتَصَادُمٌ لِتَعْلِيلِهِ.

قُلْتُ: وَكِلَاهُمَا يُحْتَمَلُ، الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَرْكِ الْبَسْمَلَةِ فِي أَوْسَاطٍ غَيْرِ بَرَاءَةَ لَا إِشْكَالَ فِي تَرْكِهَا عِنْدَهُ فِي وَسَطِ بَرَاءَةَ، وَكَذَا لَا إِشْكَالَ فِي تَرْكِهَا فِيهَا عِنْدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى التَّفْضِيلِ؛ إِذِ الْبَسْمَلَةُ عِنْدَهُمْ فِي وَسَطِ السُّورَةِ تَبَعٌ لِأَوَّلِهَا، وَلَا تَجُوزُ الْبَسْمَلَةُ أَوَّلُهَا فَكَذَلِكَ وَسَطُهَا، وَأَمَّا مَنْ ذَهَبَ إِلَى الْبَسْمَلَةِ فِي الْأَجْزَاءِ مُطْلَقًا، فَإِنِ اعْتَبَرَ بَقَاءَ أَثَرِ الْعِلَّةِ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا حُذِفَتِ الْبَسْمَلَةُ مِنْ أَوَّلِهَا وَهِيَ نُزُولُهَا بِالسَّيْفِ؛ كَالشَّاطِبِيِّ، وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُ، لَمْ يُبَسْمِلْ، وَإِنْ لَمْ يَعْتَبِرْ بَقَاءَ أَثَرِهَا، أَوْ لَمْ يَرَهَا عِلَّةً بَسْمَلَ بِلَا نَظَر. اهـ.

وأما الاستعاذة: فمحلها عند بداية القراءة، ولا تعاد إلا إذا حصل انقطاع وإعراض عن القراءة وانشغال بما ليست له صلة بها، كما نص على ذلك أهل الأداء، وراجع فتوانا رقم: 246607.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني