الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل بولس ـ شاوول الطرسوسي ـ الذي حرّف المسيحية هو المذكور في سورة يس؟

السؤال

جزاكم الله كل الخير على هذا الموقع. هل بولس ـ شاوول الطرسوسي ـ الذي حرّف المسيحية، وابتدع فيها هو نفسه المذكور في القرآن الكريم في سورة يس: "إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث" أرجو الرد على هذه الشبهة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلنبدأ بالكلام عن هذه الآية الكريمة، وكلام المفسرين حولها، فقد اختلف المفسرون في هؤلاء الرسل الثلاثة، هل هم رسل من عند الله تعالى، أم هم من رسل المسيح ـ عليه السلام ـ إلى أهل هذه القرية، وقد مال ابن كثير في تفسيره إلى ترجيح القول الأول، حيث قال: فَقَالُوا ـ أي: لأهل تلك القرية: إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ـ أي: من ربكم الذي خلقكم، نأمركم بعبادته وحده لا شريك له، قاله أبو العالية: وزعم قتادة بن دعامة: أنهم كانوا رسل المسيح، عليه السلام، إلى أهل أنطاكية. اهـ.

وصرح في كتابه البداية والنهاية بتضعيف هذا القول الثاني، وتقوية الأول، حيث قال: قال ابن اسحق فيما بلغه عن أن ابن عباس، وكعب، ووهب أنهم قالوا عن أنطاكية: وكان لها ملك اسمه انطيخس بن انطيخس، وكان يعبد الأصنام، فبعث الله إليه ثلاثة من الرسل، وهم: صادق، وصدوق، وشلوم ـ فكذبهم، وهذا ظاهر أنهم رسل من الله عز وجل، وزعم قتادة أنهم كانوا رسلًا من المسيح، وكذا قال ابن جرير عن وهب، عن ابن سليمان، عن شعيب الجبائي: كان اسم المرسلين الأوليين شمعون، ويوحنا، واسم الثالث بولس، والقرية أنطاكية، وهذا القول ضعيف جدًّا: لأن أهل أنطاكية لما بعث إليهم المسيح ثلاثة من الحواريين كانوا أول مدينة آمنت بالمسيح في ذلك الوقت؛ ولهذا كانت إحدى المدن الأربع التي تكون فيها بتاركة النصارى، وهن: أنطاكية، والقدس، وإسكندرية، ورومية، ثم بعدها إلى القسطنطينية، ولم يهلكوا، وأهل هذه القرية المذكورة في القرآن أهلكوا، كما قال في آخر قصتها بعد قتلهم صديق المرسلين: إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون { يس: 29}. اهـ.

فتبين من هذا أن الراجح أن هؤلاء الثلاثة المذكورين في الآية رسل من عند الله، وليسوا رسل المسيح، هذا من جهة.

وعلى تقدير كونهم رسل المسيح، وأن منهم بولس، فلا يلزم أن يكون هو بولس ـ شاوول اليهودي ـ الذي حرّف الإنجيل، وأدخل في النصرانية الأباطيل، هذا مع العلم بأن من ذكر أسماء الرسل الثلاثة من المفسرين إنما يروي ذلك عن أهل الكتاب، بناء على ما جاءت به السنة بالرواية عنهم، ما لم يثبت كونه كذبًا، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار.

وهنالك بحث جيد في هذا الموضوع، ومناقشة لهذه الشبهة في كتاب المفصل في الرد على شبهات الأعداء، للباحث علي بن نايف الشحود، يمكن الاطلاع عليه ممن يحسن العربية، أو إذا كانت هنالك نسخة منه قد ترجمت إلى الإنجليزية، أو غيرها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني