الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل القول بفناء النار بدعة أم مسألة خلافية؟

السؤال

قرأت فتواكم -كما أذكر- عن خلود النار، وعن براءة ابن تيمية من ذلك. ولكني سمعت للشيخ الوادعي -رحمه الله- وكما أذكر للشيخ الفوزان أن هذه المسألة خلافية، ولا يستوجب قائلها الكفر.
فما رأيكم؟
وجزاكم الله خيرا، ونفع الله بكم، وسامحوني على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما كلام الشيخ الفوزان، فخلاصته أن النار وإن كان الصواب فيها أنها لا تفنى، إلا أن القول بذلك ليس محل إجماع، ولا القول بفنائها من بدع الضلالة.

فقد ذكر الشيخ في تعقيباته على كتاب (السلفية ليست مذهبا) عند ذكر البوطي بدعية القول بفناء النار، وأن ذلك داخل بإجماع المسلمين في البدعة! فتعقبه الشيخ الفوزان فقال: تعقيبنا عليه من وجهين:

ـ الوجه الأول: أنه لم يحصل إجماع على تخطئة القول بفناء النار، وعدِّه من البدع، كما زعم، فالمسألة خلافية، وإن كان الجمهور لا يرون القول بذلك، لكنه لم يتم إجماع على إنكاره، وإنما هو من المسائل الخلافية التي لا يبتدع فيها.

ـ الوجه الثاني: أن الذين قالوا بفنائها، استدلوا بأدلة من القرآن والسنة، وبقطع النظر عن صحة استدلالهم بها، أو عدم صحته، فإن هذا القول لا يعتبر من البدع ما دام أن أصحابها يستدلون له؛ لأن البدع ما ليس له دليل أصلا، وغاية ما يقال: إنه خطأ، أو رأى غير صواب. ولا يقال: بدعة. وليس قصدي الدفاع عن هذا القول، ولكن قصدي بيان أنه ليس بدعة، ولا ينطبق عليه ضابط البدعة، وهو من المسائل الخلافية. اهـ.
وأما الشيخ مقبل الوادعي فلا ندري ما نقله عنه السائل، غير أنه قال في مقدمته لكتاب (بلوغ المنى في حكم الاستمناء) للشوكاني: وردي على الإمام الشوكاني ـ رحمه الله ـ لا ينقص من قدره، وليس هو أول واحد أخطأ، فذلكم شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم زلت أقدامهما في القول بفناء النار، وقد رد عليهما الصنعاني في كتاب (رفع الأستار في الرد على القائلين بفناء النار). والعالم إذا أخطأ وله فضائل، غمرت أخطاؤه في فضائله، وما من أحد من العلماء إلا وله أخطاء. اهـ.
وأما المسألة ذاتها (فناء النار) ورأي الإمام ابن تيمية فيها، فمحل بحث طويل، والذي لا بد من التنبيه عليه فيما ينقل في هذه المسألة، هو التفريق بين المواضع التي يتناول فيها الرد على أهل البدع القائلين بفناء الجنة والنار معا ـ وقولهم خطأ محض، وبدعة ضلالة، كما سبق أن بيناه في الفتوى رقم: 197123ـ وبين القول ببقاء الجنة، وفناء النار وحدها.

قال ابن القيم ـ وهو أحد من أطال النفس في بيان أدلة القائلين بفناء النار بما يقوي قولهم ـ في كتابه (حادي الأرواح)

قال: لا ريب أن القول بفنائهما ـ يعني الجنة والنار ـ قول أهل البدع من الجهمية، والمعتزلة، وهذا القول لم يقله أحد من الصحابة، ولا التابعين، ولا أحد من أئمة المسلمين.

وأما فناء النار وحدها: فقد أوجدناكم من قال به من الصحابة، وتفريقهم بين الجنة والنار، فكيف يكون القول به من أقوال أهل البدع، مع أنه لا يعرف عن أحد من أهل البدع التفريق بين الدارين! فقولكم: إنه من أقوال أهل البدع. كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم، وآرائهم، واختلافهم.

قالوا: والقول الذي يعد من أقوال أهل البدع ما خالف كتاب الله، وسنة رسوله، وإجماع الأمة، إما الصحابة، أو من بعدهم. وأما قول يوافق الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة، فلا يعد من أقوال أهل البدع، وإن دانوا به، واعتقدوه، فالحق يجب قبوله ممن قاله، والباطل يجب رده على من قاله. اهـ.
وقد سبق لنا ذكر أدلة خلود النار، وإيراد شيء من النقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة، وذلك في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 4228، 7485، 64739.
وهنا ننبه على أن القول بفناء النار وحدها، وإن كان مخالفا للصواب، ومجانبا للحق، إلا أن وصفه بالبدعة ـ فضلا عن الكفر ـ محل نظر؛ لاعتماد القائلين به على اجتهاد في فهم بعض النصوص الشرعية، وآثار تروى عن السلف في ذلك، الصحابة، فمن دونهم.

قال الألوسي في (جلاء العينين): ثم اعلم أنه قد تبين لك مما نقلناه من الأقوال: أن القول الصحيح، الحري بالترجيح، هو بقاء الجنة والنار وساكنيهما من الأخيار، والفجار. وأن الشيخ ابن تيمية لم يتبين عنه نقل صحيح فيما نسب إليه. ولئن سلم أنه مال لذلك، فقد ذهب إليه بعض السلف، وأفراد من الخلف، كما تقدم آنفاً، فليس في ميله ما يوجب تكفيراً عند من أنصف. على أنا لا نعلم ـ إن صح النقل ـ عدم رجوعه عنه، وهو لا يعد عند المنصفين إلا من العلماء المجتهدين، وأي مجتهد قرنت بالصواب جميع أقواله، وصوبت كافة أحواله، وكم رجع مجتهد عن اجتهاده الأول، ونص على خلافه، وعول. اهـ.
ولمزيد الفائدة حول هذه المسألة، يمكن الرجوع إلى مقدمة تحقيق رسالة شيخ الإسلام ابن تيمية: (الرد على من قال بفناء الجنة والنار) دراسة وتحقيق الأستاذ الدكتور/ محمد السمهري. الأستاذ المشارك في قسم العقيدة، من كلية أصول الدين بجامعة الإمام.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني