الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عقوبات الكفارة متفاوتة، وأحكام من لم يسمع عن الإسلام

السؤال

هناك فساق وعاهرات وبغايا، ودينهم النصرانية ولم يسمعوا عن الإسلام، وهنالك راهبات ملتزمات في صوامعهن، وبعيدات عن الرذيلة ولم يسمعن عن الإسلام، فهل سيعامل الله كلا من الفريقين نفس المعاملة؟ وهل سيعامل الله الملحد الذي لم يسمع عن الإسلام مثل النصراني الملتزم الذي لم يسمع عن الإسلام أيضا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فبداية لا بد من تقرير قاعدة أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة الرسالية عليه، وهذه الحجة لا تقوم على غير المسلم إلا إذا بلغته دعوة الإسلام بطريقة يفهمها مثله، بحيث يتمكن من العلم بها، ولهذا ترجع أسباب إيجاب العذاب في الآخرة إلى سببين:

أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادة العلم بها وبموجبها.

والثاني: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها.

فالأول: كفر إعراض، والثاني: كفر عناد، وقد سبق لنا تفصيل ذلك في الفتوى رقم: 158921.

ولذلك كان لأهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة الإسلام حكم خاص، يخالف من سمع بها وأعرض عنها أو عاندها أو آثر شهوات الدنيا عليها، وقريب من حكم أهل الفترة عند بعض أهل العلم: من سمع عنها بما يشوهها ويصده عنها ولا يحرك داعية النظر فيها، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 298303، ورقم: 39870.

وأما التفريق بين الكافر التارك للمحرمات، والكافر المقترف لها، فهو حق ثابت، فإنهم وإن اجتمعوا في العذاب، فإنهم يتفاضلون فيه، فيكون بعض الكفار أشد عذابا من بعض، وهذا مبني على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، كما هو الراجح الذي عليه جمهور العلماء، وفائدة ذلك: كثرة عقابهم في الآخرة على ترك هذه الفروع، حيث يعذبون عليها زيادة على عذاب الكفر، فيعذبون عليها وعلى الكفر جميعاً، لا على الكفر وحده، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 20318، ورقم: 120225.

وإن ثبت التفاوت في العذاب بسبب تضييع الفروع، فالأصول أولى! فمن أنكر وجود الله تعالى رأسا ليس كمن عرفه وإن وقع في نوع من الشرك، قال ابن القيم في طريق الهجرتين: غلظ الكفر الموجب لغلظ العذاب يكون من ثلاثة أوجه: أحدها: من حيث العقيدة الكافرة في نفسها، كمن جحد رب العالمين بالكلية وعطل العالم عن الرب الخالق المدبر له... وهؤلاءِ هم المعطلة والدهرية وكثير من الفلاسفة وأهل الوحدة القائلين بأنه لا وجود للرب سبحانه وتعالى غير وجود هذا العالم.

الجهة الثانية: تغلظه بالعناد والضلال عمداً على بصيرة، ككفر من شهد قلبه أن الرسول حق لما رآه من آيات صدقه وكفر عناداً وبغياً....
الجهة الثالثة: السعي في إطفاءِ نور الله وصد عباده عن دينه بما تصل إليه قدرتهم.
فهؤلاءِ أشد الكفار عذاباً بحسب تغلظ كفرهم، ومنهم من يجتمع في حقه الجهات الثلاث، ومنهم من يكون فيه جهتان منها أو واحدة، فليس عذاب هؤلاءِ كعذاب من هو دونهم في الكفر ممن هو ملبوس عليه لجهله، والمؤمنون من أذاه في سلامة لا ينالهم منه أذى، ولم يتغلظ كفره كتغلظ هؤلاءِ، بل هو مقر بالله ووحدانيته وملائكته وجنس الكتب والرسل واليوم الآخر، وإن شارك أولئك في كفرهم بالرسول فقد زادوا عليه أنواعاً من الكفر، وهل يستوي في النار عذاب أبي طالب وأبي لهب وأبي جهل وعقبة بن أبي معيط وأبي بن خلف وأضرابهم؟. اهـ.

وقد سبق لنا بيان تفاوت عذاب الكفار بحسب تفاوت أعمالهم، وذلك في الفتوى رقم: 159933.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني