الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل قوله تعالى: (وما خلق الذكر والأنثى) ينفي وجود الخنثى

السؤال

ما صحة هذا الكلام: {وما خلق الذكر والأنثى} أي أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الذكر والأنثى، وهما ضدان مختلفان، وهكذا، سبحانه يمتدح بخلقه للأضداد. خلق الله تعالى الليل، وضده هو النهار.
وقال أهل العلم: لم يذكر الله سبحانه وتعالى الخنثى المشكل، وهو الذي لا يعلم هل هو ذكر أو أنثى؟! والجواب: إن الخنثى وإن أشكل أمره عندنا، فإنه عند الله عز وجل غير مشكل، بل هو معلوم بالذكورة، أو الأنوثة.
ومن المسائل في ذلك: أن من حلف على ألا يكلم ذكرا أو أنثى، فإذا كلم خنثى هل يحنث أم لا؟ قالوا: يحنث؛ لأنه إما أن يكون ذكرا، أو أن يكون أنثى، فلا يوجد جنس ثالث كما يقولون اليوم؟! إنما هناك تشبه من الرجال بالنساء، ومن فعل ذلك فهو ملعون، مطرود من رحمة لله سبحانه وتعالى، فمن تعمد التشبه بالنساء في الحركات، أو الأقوال، أو المشية، فهو ملعون على لسان النبي صلى لله عليه وسلم، والعياذ بالله. وكذلك المرأة إذا تشبهت بالرجال، أو ما يسمى بالرجلة من النساء! فهي أيضا ملعونة، مطرودة من رحمة لله عز وجل، كما جاء في الأحاديث، إلا من تاب، وآمن واستقام؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يخلق من ذوي الأرواح إلا من هو ذكٌر أو أنثى، ولا يوجد شيء ثالث، ومن فعل فهو تغيير لخلق لله، وطاعة للشيطان القائل: {ولآمرنهّم فليغُيرن خلق لله} (النساء).
وأيضا قال الله تبارك وتعالى: {يهَبُ لمن يشَاء إناثا ويهب لمن يشاُء الذكور، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا}. ولم يذكر نوعا ثالثا.
وشكرا.
الرجاء الإجابة وإفادتنا، ولكم الشكر والعرفان.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن ما ذكرت في شأن الخنثى، والحنث بكلامه، ذكره جمع من المفسرين.

فقد جاء في تفسير الجلالين: «وما خلق الذكر والأنثى» آدم وحواء، وكل ذكر وكل أنثى، والخنثى المشكل عندنا، ذكر أو أنثى عند الله تعالى؛ فيحنث بتكليمه، من حلف لا يكلم ذكرا ولا أنثى. اهـ.

وقد خالف في هذا بعضهم، فرأوا أن هذا محمول على الغالب، وأن الخنثى موجود، ولكنه نادر الوقوع.

قال القرطبي في تفسير قوله تعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ* أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ {الشورى: 49-50}.

قال رحمه الله تعالى: قال القاضي أبو بكر بن العربي: وقد أنكر قوم من رؤوس العوام وجود الخنثى؛ لأن الله تعالى قسم الخلق إلى ذكر وأنثى. قلنا: هذا جهل باللغة، وغباوة عن مقطع الفصاحة، وقصور عن معرفة سعة القدرة.

أما قدرة الله سبحانه فإنه واسع عليم، وأما ظاهر القرآن، فلا ينفي وجود الخنثى; لأن الله تعالى قال: لله ملك السماوات والأرض يخلق ما يشاء. فهذا عموم مدح، فلا يجوز تخصيصه; لأن القدرة تقتضيه. وأما قوله: يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما، فهذا إخبار عن الغالب في الموجودات، وسكت عن ذكر النادر؛ لدخوله تحت عموم الكلام الأول، والوجود يشهد له، والعيان يكذب منكره. اهـ.

وأما تعمد تشبه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال، فهو كبيرة، ملعون فاعله؛ فقد قال ابن عباس- رضي الله عنهما-: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، قال: فقلت: ما المترجلات من النساء؟ قال: المتشبهات من النساء بالرجال. رواه أحمد في المسند وحسنه الأرناؤوط. وفي البخاري عن ابن عباس أيضا أنه قال: لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء. وفيه عن ابن عباس أيضا: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. وفي المسند عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخنثي الرجال الذين يتشبهون بالنساء، والمترجلات من النساء المتشبهين بالرجال. صححه الأرناؤوط.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني