الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحوال الاقتراض وحكم كل حالة

السؤال

بارك الله فيكم: ما حكم أخذ قرض أو دين لأجل إهداء شخص، من قريب أو صديق؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان هذا القرض ربويا، فلا يحتاج إلى السؤال عنه، فهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع، وتحريمه مستفيض مشهور، وأما إن كان قرضا حسنا، ويجد آخذه ما يقضيه به من الأسباب أو الأموال المرتقبة ـ فلا حرج في ذلك، وأما إن كان الدين يثقله ولا يجد له قضاءً، فيكره، وقد يحرم في أحوال أخرى، جاء في الموسوعة الفقهية: الأصل في الاستدانة الإباحة، لقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ـ ولأن النبي كان يستدين، وقد تعتريها أحكام أخرى بحسب السبب الباعث، كالندب في حال عسر المدين، وكالوجوب للمضطر، وكالتحريم فيمن يستدين قاصدا المماطلة، أو جحد الدين، وكالكراهة إذا كان غير قادر على الوفاء، وليس مضطرا ولا قاصدا المماطلة. اهـ.

وجاء في موضع آخر: أما في حق المقترض، فالأصل فيه الإباحة، وذلك لمن علم من نفسه الوفاء، بأن كان له مال مرتجى، وعزم على الوفاء منه، وإلا لم يجز، ما لم يكن مضطرا ـ فإن كان كذلك وجب في حقه لدفع الضر عن نفسه ـ أو كان المقرض عالما بعدم قدرته على الوفاء وأعطاه، فلا يحرم، لأن المنع كان لحقه، وقد أسقط حقه بإعطائه مع علمه بحاله، قال ابن حجر الهيتمي: فعلم أنه لا يحل لفقير إظهار الغنى عند الاقتراض، لأن فيه تغريرا للمقرض. اهـ.

ولذلك يمكن توجيه السائل إلى عدم الاقتراض للغرض المذكور، إلا إن كان الوفاء متيسرا قريبا، لأن الدين شأنه عظيم، قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: ينبغي للمؤمن ألا يستغرق في كثرة الدين، خشية الاهتمام به، والعجز عن أدائه وقد استعاذ الرسول بالله من ضلع الدين، واستعاذ من المأثم والمغرم، وقال: إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف. اهـ.
وقد أجاب الطبري ـ كما نقله ابن بطال ـ عن التعارض المتوهم بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن جعفر، عن النبي عليه السلام أنه قال: إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله تعالى ـ وكان عبد الله بن جعفر يقوله لخازنه: اذهب فخذ لي بدين، فإني أكره أن أبيت ليلة إلا والله معي ـ فقال الطبري: كلا الخبرين صحيح، وليس في أحدهما دفع معنى الآخر، فأما قوله عليه السلام: إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه ما لم يكن فيما يكره الله ـ فهو المستدين فيما لا يكرهه الله، وهو يريد قضاءه، وعنده في الأغلب ما يؤديه منه، فالله تعالى في عونه على قضائه، وأما المغرم الذي استعاذ منه عليه السلام فإنه الدين الذي استدين على أوجه ثلاثة: إما فيما يكرهه الله ثم لا يجد سبيلا إلى قضائه، أو مستدين فيما لا يكرهه الله، ولكن لا وجه لقضائه عنده، فهو متعرض لهلاك مال أخيه ومتلف له، أو مستدين له إلى القضاء سبيل غير أنه نوى ترك القضاء وعزم على جحده، فهو عاص لربه ظالم لنفسه، فكل هؤلاء لوعدهم إن وعدوا من استدانوا منه القضاء يخلفون، وفي حديثهم كاذبون، وقد صحت الأخبار عنه عليه السلام أنه استدان في بعض الأحوال، فكان معلوما بذلك أن الحال التي كره ذلك عليه السلام فيها غير الحال التي ترخص لنفسه فيها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني