الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعامل المرأة مع الزوج الذي يمارس فاحشة اللواط ويقصر في النفقة

السؤال

زوجي يحب الشاذين جنسيًّا، ويخونني مع رجال، وأنوي الطلاق قريبًا جدًّا، ولكنني أريد أن أنتقم انتقامًا شديدًا يكسره ويكسر شوكته، ويحطمه، ومن حماقتي، وضعف ديني، وتقطع قلبي عندما علمت بذلك اقترحت عليه أن يمارسه؛ لكي يبتعد عن الرجال فرفض تمامًا قائلًا: إنه حرام.
واكتشفت ثانية أنه رجع لممارسة الرذيلة والبحث عنها، وحرماني من حقوقي الزوجية الجنسية والمادية، وأنا أبتعد عن المعاصي خوفًا من الله، ولم ولن أرتكب الفاحشة، بل لا أستطيع رغم هوس الشيطان، وحب النفس لشهوات الدنيا، ورغم سهولة المسار.
وزوجي الشاذ محبوب بين الناس كثيرًا، ويساعدهم كثيرًا، ويبر والديه، ويتصدق ويقول دائما: إن الله غفور رحيم، ويصلي أحيانًا، وأريده أن يعذب في الدنيا قبل الآخرة إن كان له عذاب فيها، فهل يحق لي أن أقتله إذا أمسكت به وهو يمارس الوساخة؟ وهل يحق لي الانتقام منه؟ وهل يحق لي أن أفضحه أمام أهله، وفي عمله؟ خاصة أنه موظف عند عائلة كبيرة، وأتمنى له الموت فجأة وهو يمارس الرذيلة.
وقبل هذا استغل نقص معلوماتي الدينية ليجعلني أفعل شيئًا أثّر، ولا يزال يؤثر سلبًا على حياتي، وفقدت ثقتي بنفسي تمامًا رغم أن الله منحني من الجمال والبياض ما يبهت الغائبين قبل الحاضرين ـ والحمد لله ـ فما سبب هذا الابتلاء؟ وماذا أفعل؟ وما حكم من يرتكب الذنوب والكبائر وهو يعرف أنها حرام، و ينوي التوبة بعدها قائلًا: إن الله غفور رحيم؟ وأكرر يوميًّا: حسبي الله ونعم الوكيل فيه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد ذكرت عن زوجك جملة من المنكرات ـ إن صحت عنه ـ فهو على خطر عظيم، ومن أشدها تفريطه في الصلاة، فهي الصلة بين العبد وربه، وفضائلها لا تعد ولا تحصى، وفي الوقت نفسه وردت كثير من نصوص الوعيد في حق من يفرط فيها، ويمكن مطالعة ذلك في الفتويين رقم: 47422، ورقم: 146173.

ومن ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع، ولا يستغرب منه أن يأتي الفواحش والمنكرات.

أما اللواط: فإنه جريمة من أخطر الجرائم، عذّب الله بسببه أمة وأهلكها، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 1869.

ومن ابتلي باللواط لا يستغرب منه أيضًا أن لا يعطي زوجته حقها في الفراش، فإن عاقبة هذا الفعل الحرمان من التلذذ بالحلال، والرغبة في اللذة الحرام -والله المستعان-.

ولا ندري ما تعنين بكونك قد اقترحت عليه ممارسته، فإن كنت تعنين تمكينه من وطئك في الدبر، فهذا منكر تجب عليك التوبة منه، فلا يسوغه رغبتك في انتهائه عن اللواط، وانظري فتوانا رقم: 34015.

وقد قرر الفقهاء أنه يجب على الزوج أن يطأ زوجته حسب رغبتها، وقدرته، وأنه من حقها عليه، كما هو مبين في الفتوى رقم: 29158.

وكذلك نفقتك واجبة عليه، لا يجوز له التفريط فيها، روى أحمد، وأبو داود عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت.

ولك الحق في الأخذ من ماله بقدر نفقتك ونفقة ولدك إن كان له مال، أو الاستدانة عليه في ذمته، والأفضل أخذ إذن القاضي الشرعي في ذلك، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري في شرح حديث هند السابق: يتفرع منه وهو أن الأب إذا غاب أو امتنع من الإنفاق على ولده الصغير أذن القاضي للأم إذا كانت فيها أهلية ذلك في الأخذ من مال الأب إن أمكن، أو في الاستقراض عليه والإنفاق على الصغير، وهل لها الاستقلال بذلك بغير إذن القاضي وجهان يبنيان على الخلاف في قصة هند، فإن كانت إفتاء جاز لها الأخذ بغير إذن، وإن كانت قضاء فلا يجوز إلا بإذن القاضي. اهـ.

ونشكرك على حرصك على العفاف، وأبشري ببشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ ولفظه: ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يصبر يصبره الله، وما أعطي أحد من عطاء خير وأوسع من الصبر.

وسؤالك عما إذا كان هذا ابتلاء: فجوابه أن نعم، فإن الله يبتلي عباده، ويمتحنهم، وله في ذلك الحكم البالغة، قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}.

والابتلاء يتسلى فيه بالصبر ليرفع الله به الدرجات، ويكفر الذنوب والسيئات، وراجعي في فضل الصبر الفتوى رقم: 18103.

واحرصي على الدعاء لزوجك لا الدعاء عليه، فإن الله عز وجل قادر على أن يصلح حاله، ويهدي قلبه في لحظة، فالهداية بيده، وماذا يفيدك أن يعذب زوجك في الدنيا، أو في الآخرة، أو فيهما معا.

ولا شك في أن جرأته على هذه المعاصي اتكالًا على كون الله عز وجل غفور رحيم نوع من الأماني والغرور، فالرجاء الحقيقي في الله سبحانه دافع إلى التوبة، والأوبة، والإقبال على الطاعات، وترك المعاصي والمنكرات، وأما تلك الأماني: فمن تسويل الشيطان، فقد قال الله عز وجل عنه: يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا {النساء:120}.

وعند حلول الابتلاء ينبغي الإقبال على كثرة الطاعة والذكر، لا التفريط أو التقليل من ذلك، فإن الإقبال على الله، وذكره من أعظم ما يدفع به الهم، ويرد به الكرب، ونوصيك بكثرة تكرار الأدعية المفيدة في هذا المقام، وهي مضمنة في الفتوى رقم: 70670.

وإذا كان هذا الرجل مستترًا بهذه المعصية غير مجاهر بها، فإنه يستر عليه ولا يفضح، كما بين ذلك أهل العلم، وقد أوضحناه في الفتوى رقم: 242650.

ولا يجوز لك قتل زوجك بحال، نعم حد اللواط هو قتل الفاعل والمفعول به، ولكن إقامة الحدود للحاكم المسلم وليس لعامة الناس، وإلا سادت الفوضى واضطرب الحال، وراجعي الفتوى رقم: 29819.

وفي نهاية المطاف إذا لم يتب زوجك إلى الله، ولم ينصلح حاله، فيندب لك فراقه، فاطلبي منه الطلاق، ولو في مقابل عوض تدفعينه إليه، قال البهوتي الحنبلي: وإذا ترك الزوج حقًّا لله تعالى، فالمرأة في ذلك مثله، فيستحب لها أن تختلع منه لتركه حقوق الله تعالى. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني