الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الإنكار على المخالف في المسائل الاجتهادية

السؤال

هل يمكن الإنكار على الأشخاص الذين اتبعوا قول من قال بإباحة الاستمناء مادامت تطمئن قلوبهم لذلك؟ وهل يمكن الإنكار على من قالوا بكراهة الاستمناء؟ وهل يمكن الإنكار على من قالوا بتحريم الاستمناء مادامت قلوبهم مطمئنة لذلك، سواء كان ذلك الشخص عاميا أو عالما؟ وهل يمكن الأخذ بقول من قالوا بإباحة الاستمناء ولا إثم في ذلك إطلاقا على من يتبع ذلك العامي أو العالم؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من المقرر عند العلماء أن المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف لا ينكر فيها على المجتهد أو مقلده إنكار المحرمات محكم التحريم، وإنما يشرع فيها ذكر الحجة وبيان الراجح برفق. قال النووي: العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق، فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر، وذكر أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الشافعي في كتابه الأحكام السلطانية خلافا بين العلماء في أن من قلده السلطان الحسبة هل له أن يحمل الناس على مذهبه فيما اختلف فيه الفقهاء إذا كان المحتسب من أهل الاجتهاد أم لا يغير ما كان على مذهب غيره؟ والأصح أنه لا يغير، لما ذكرناه، ولم يزل الخلاف في الفروع بين الصحابة والتابعين فمن بعدهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ولا ينكر محتسب ولا غيره على غيره، وكذلك قالوا ليس للمفتي ولا للقاضي أن يعترض على من خالفه إذا لم يخالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا. اهـ باختصار من شرح صحيح مسلم.

وقال ابن تيمية في كلامه عن مسألة فقهية: فإن أصل هذه المسألة فيها نزاع مشهور بين علماء المسلمين، ومسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار، إلا ببيان الحجة وإيضاح المحجة: لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد، فإن هذا فعل أهل الجهل والأهواء. اهـ.

وضابط المسائل الاجتهادية التي يسوغ فيها الخلاف ولا يشرع فيها الإنكار: هو كل ما لم يخالف نصا أو إجماعا، قال ابن تيمية: وإذا كانت المسألة مسألة نزاع في السلف والخلف ولم يكن مع من ألزم الحالف بالطلاق أو غيره نص كتاب ولا سنة ولا إجماع: كان القول بنفي لزومه سائغا باتفاق الأئمة الأربعة وسائر أئمة المسلمين. اهـ.

وبخصوص حكم الاستمناء: فليس فيه نص صريح، وهو كذلك محل خلاف بين العلماء وليس محل إجماع، وقد ذكرنا طرفا من الخلاف في الفتوى رقم: 27578.

وعليه، فهو من مسائل الخلاف السائغ: التي لا ينكر فيها على المجتهد، أو من قلده، وإنما فيها البيان والإرشاد والنقاش العلمي، فلا تثريب على من أخذ بالقول بإباحة الاستمناء إن كان أهلا للنظر والترجيح فتبين له رجحان القول بالإباحة، أو قلد من يرى ذلك، وإنما المحظور هو الأخذ بإباحة الاستمناء اتباعا للهوى وتتبعا للرخص وميلا لشهوة النفس، وراجع لمزيد فائدة وبيان لضوابط الخلاف السائغ، وموقف المسلم من اختلاف العلماء، الفتويين رقم: 233125، ورقم: 170931، وإحالاتهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني