الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

محل الحرج في شكر المساكين لمن أُعطِيَ مالا ليتصدق به

السؤال

أُعطِي شخص مبلغا من المال؛ ليتصدق به على من يرى من المساكين من غير تعيين، وكان له أخ مسكين، فأعطاه جزءا من ذلك المبلغ صدقة، على نية من أعطاه المبلغ، ولم يخبر أخاه أنها صدقة من فاعل خير، وظن أخوه المسكين، أن المبلغ منه من باب صلة الرحم، فشكره، وهو لا يدري أن المبلغ من غيره.
فهل يلزم المعطي أن يخبر المساكين بأن المبلغ صدقة من غيره؟ وهل إذا لم يخبرهم بذلك، وشكروه، يدخل في قوله تعالى عن المنافقين: {ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا}؟
وفقكم الله، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دام أن صاحب المال أعطاه لهذا الشخص؛ ليتصدق به على من يرى من المساكين من غير تعيين، فإن الأمر واسع في اختيار المستحقين، ولو كانوا من أقارب الوكيل، ما دام فيهم وصف المسكنة الذي حدده صاحب المال. وراجع الفتوى رقم: 262933.

وأما الوكيل بالصدقة، فلا نرى عليه من حرج مما ذكر في السؤال، إذا لم يكن يريد بذلك جزاء ولا شكرا من أخيه.

ونقصد بالجزاء: الانتفاع بشيء من وراء إعطاء أخيه هذه الصدقة، كنوع من المكافأة، أو المجازاة في مقابل ما أعطاه، كأن يهديه شيئا، أو يقدم له خدمة، ونحو ذلك من المنافع الشخصية.

ونقصد بالشكر: الجزاء المعنوي، والثناء الحسن، والامتنان الذي يشعر به المعطَى تجاه المعطِي؛ لأن هذين الأمرين مما ينبغي أن يتنزه عنه المتصدق نفسه، بله الوكيل بالصدقة! فقد وصف الله تعالى عباده الأبرار حال إطعامهم للمساكين، وغيرهم، بقوله: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 9].

قال القرطبي: {جزاء} أي مكافأة. {ولا شكورا} أي ولا أن تثنوا علينا بذلك، قال ابن عباس: كذلك كانت نياتهم في الدنيا حين أطعموا. وعن سالم عن مجاهد قال: أما إنهم ما تكلموا به، ولكن علمه الله جل ثناؤه منهم، فأثنى به عليهم، ليرغب في ذلك راغب. اهـ.

وقال السعدي: يقصدون بإنفاقهم، وإطعامهم وجه الله تعالى، ويقولون بلسان الحال: {إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} أي: لا جزاء ماليا، ولا ثناء قوليا. اهـ.

والمتصدق إذا خالف هذه الحال، ولم تكن نيته متمحضة في ابتغاء وجه الله تعالى، خسر هذا الثناء الجميل، وأما الوكيل فإنه يختص بكونه متزينا بما ليس عنده، ومتكثرا بما ليس منه، إن أراد إيهام المعطَى أن ذلك منه، فيكون له نصيب من قول النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبع بما لم يعط، كلابس ثوبي زور. رواه البخاري ومسلم. وراجع شرحه في الفتوى رقم: 77680.

وعندئذ تتناوله الآية التي ذكرها السائل: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [آل عمران: 188] بخلاف ما إذا لم يرد هذا، ولكن ظن أخوه ذلك، فشكره.

وأما السؤال عن لزوم إخبار المساكين بأن المبلغ صدقة من غيره؟ فلا نعلم شيئا من أدلة الشرع يوجب ذلك، ولكن إن رأى أن إخبارهم بذلك أطيب لنفوسهم، وأيسر عليهم، فالأفضل أن يفعل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني