الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حد الوجه والرأس لمعرفة ما يغسل وما يمسح في الوضوء

السؤال

هذه بعض المصطلحات التي أريد التأكد من فهمها. فهل فهمي لها صحيح، علما بأن فهمي هذا جاء بعد قراءة المصطلحات من لسان العرب وغيره:
1-الجبينان: هما جبينان على جانبي الجبهة، التي هي موضع السجود، ويبدأ كل منهما من مستوى الحاجبين، أو من رأس الأذن من أسفل، وينتهي إلى قصاص الشعر من أعلى.
2-العذار: هو الشعر الذي ينبت على العظم البارز، الموازي لثقب الأذن.
3-الصدغ: هو الشعر الذي يبدأ فوق العذار، وينتهي موازيا لرأس الأذن.
4-النزعة: نضع الأصبع أقصى يمين الحاجب الأيمن، ثم نصعد به إلى أعلى، فنجد جزء انحسر عنه الشعر، فلا يوجد فيه شعر، رغم أن المناطق المحيطة به يوجد فيها شعر، ينزل إلى أسفل قليلا عن النزعة (وكذلك في الجانب الأيسر).
5-التحذيف: هو الشعر الخارج إلى طرف الجبين، وحدوده طولا هي: من منتهى العذار بالأسفل، إلى النزعة، وعرضا من نهاية العذار اليسرى (الطرف الأيسر لشعر العذار) يمينا حتى النزعة يسارا. هذا كله في الجانب الأيمن، ومثل ذلك يكون في الأيسر.
6-البياض بين العذار والأذن: المنطقة التي لا يوجد فيها شعر بينهما.
والله تعالى أعلم.
أطلب سرد أي خلاف (إن وجد) وآراء العلماء بأدلتها (ما أمكن).
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد بيّن الفقهاء حدود هذه الأسماء، ومعانيها في كتب الفقه، وكلامهم أولى بالحرص عليه من كلام أهل اللغة؛ لأن الفقهاء قد تناولوا هذه الأسماء لبيان حدود الوجه وما يتبعه، فيغسل، وحدود الرأس وما يتبعه، فيمسح، فكان كلامهم أكثر فائدة من كلام اللغويين، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك.
فلذلك لن نعلق على ما جمعته من كلام أهل اللغة في بيان معاني وحدود هذه الأسماء، ولكن حسبنا أن نسرد لك كلام الفقهاء في ذلك، لتقارن بين ما ذكروه، وبين ما فهمته.
فقد جاء في الموسوعة الفقهية في بيان معرفة معاني هذه الأسماء، فقالوا:
1- الْجَبِينُ فَوْقَ الصَّدْغِ، وَهُمَا جَبِينَانِ عَنْ يَمِينِ الْجَبْهَةِ، وَعَنْ شِمَالِهَا.

2- الْعِذَارُ عِنْدَ أَهْل اللُّغَةِ وَالْفِقْهِ: هُوَ الشَّعْرُ النَّابِتُ الْمُحَاذِي لِلأْذُنَيْنِ بَيْنَ الصُّدْغِ وَالْعَارِضِ، وَهُوَ أَوَّل مَا يَنْبُتُ لِلأْمْرَدِ غَالِبًا.

وَالشَّارِبُ، وَالْعِذَارُ كِلاَهُمَا مِنْ شَعْرِ الْوَجْهِ، لَكِنَّهُمَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَوْضِعِهِمَا مِنَ الْوَجْهِ.

وجاء في موضع آخر: وَكَانَ الْفُقَهَاءُ أَكْثَرَ تَحْدِيدًا لِلْعِذَارِ مِنْ أَهْل اللُّغَةِ، فَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْتَمِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، وَابْنُ قُدَامَةَ، وَالْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ الشَّعْرُ النَّابِتُ عَلَى الْعَظْمِ النَّاتِئِ، الْمُحَاذِي لِصِمَاخِ الأْذُنِ ( أَيْ خَرْقَهَا ) يَتَّصِل مِنَ الأْعْلَى بِالصُّدْغِ، وَمِنَ الأْسْفَل بِالْعَارِضِ.

3- وَالصُّدْغُ هُوَ الشَّعْرُ الَّذِي بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعِذَارِ، يُحَاذِي رَأْسَ الأْذُنِ، وَيَنْزِل عَنْهُ قَلِيلاً .

4- وَالنَّزْعَتَانِ هُمَا مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ مِنْ جَانِبَيْ مُقَدِّمَةِ الرَّأْسِ.

5- التَّحْذِيفِ: هُوَ مَا يَنْبُتُ عَلَيْهِ الشَّعْرُ الْخَفِيفُ بَيْنَ ابْتِدَاءِ الْعِذَارِ، وَالنَّزْعَةِ. وَضَابِطُهُ أَنْ تَضَعَ طَرَفَ خَيْطٍ عَلَى طَرَفِ الأْذُنِ، وَالطَّرَفَ الثَّانِيَ عَلَى أَعْلَى الْجَبْهَةِ، وَتَفْرِضَ هَذَا الْخَيْطَ مُسْتَقِيمًا، فَمَا نَزَل عَنْهُ إِلَى جَانِبِ الْوَجْهِ فَهُوَ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ. انتهى.
وقد بيّن أيضا العلامة ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج، ضابط التحذيف فقال رحمه الله: وَضَابِطُهُ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ، وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي دَقَائِقِهِ أَنْ تَضَعَ طَرَفَ خَيْطٍ عَلَى رَأْسِ الْأُذُنِ، وَالطَّرَفَ الثَّانِيَ عَلَى أَعْلَى الْجَبْهَةِ، وَيُفْرَضُ هَذَا الْخَطُّ مُسْتَقِيمًا فَمَا نَزَلَ عَنْهُ إلَى جَانِبِ الْوَجْهِ فَهُوَ مَوْضِعُ التَّحْذِيفِ نِهَايَةٌ، وَمُغْنِي، وَإِيعَابٌ. قَالَ ع ش: قَوْله م ر عَلَى رَأْسِ الْأُذُنِ، الْمُرَادُ بِرَأْسِ الْأُذُنِ الْجُزْءُ الْمُحَاذِي، لَا عَلَى الْعِذَارِ قَرِيبًا مِنْ الْوَتَدِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَعْلَى الْأُذُنِ مِنْ جِهَةِ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُحَاذِيًا لِمَبْدَأِ الْعَذَارِ وَقَوْلُهُ: م ر إلَى جَانِبِ الْوَجْهِ، أَيْ حَدُّ الْوَجْهِ وَحْدَهُ ابْتِدَاءُ الْعَذَارِ وَمَا يَلِيهِ. اهـ. انتهى.
6- وأما البياض الذي بين العذار والأذن، فصحيح أنه المنطقة التي لا يوجد فيها شعر بينهما. ولكن ينبغي التنبيه إلى أن هناك بياضين يختلف حكمهما من حيث الغسل والمسح، فأحدهما البياض الذي بين العذار والأذن، فهو من الوجه فيغسل، والبياض الآخر هو الذي فوق وتدي الأذن، فيمسح.

جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - وَبِهِ يُفْتَى- إِلَى أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ الْعِذَارِ وَالأْذُنِ مِنَ الْوَجْهِ؛ لِدُخُولِهِ فِي حَدِّهِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يَدْخُل فِي الْوَجْهِ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ -كَمَا قَرَّرَ الدُّسُوقِيُّ- أَنَّ الْبَيَاضَ الْمُحَاذِيَ لِوَتَدِ الأْذُنِ مِنَ الْوَجْهِ بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَا مَا كَانَ تَحْتَهُ عَلَى الْمَشْهُورِ، خِلاَفًا لِمَنْ قَال: إِنَّهُ لاَ يُغْسَل وَلاَ يُمْسَحُ مَعَ الرَّأْسِ، وَأَمَّا الْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَهُ فَهُوَ مِنَ الرَّأْسِ. انتهى.

وجاء فيها أيضا: وَيَدْخُل فِي الرَّأْسِ الْبَيَاضُ الَّذِي فَوْقَ وَتَدَيِ الأْذُنَيْنِ. انتهى.

ومن الاختلاف الواقع بين الفقهاء في هذه المسميات، اختلافهم في موضع التحذيف هل هو من الوجه أو من الرأس.

فقد جاء في الموسوعة: وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي دُخُول مَوْضِعِ التَّحْذِيفِ فِي غَسْل الْوَجْهِ عِنْدَ الْوُضُوءِ. فَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي رَأْيٍ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إِلَى أَنَّ مَوْضِعَ التَّحْذِيفِ مِنَ الرَّأْسِ لاِتِّصَال شَعْرِهِ بِشَعْرِ الرَّأْسِ، فَلاَ يُغْسَل مَعَ الْوَجْهِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالْمَالِكِيَّةُ فِي رَأْيٍ آخَرَ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ - قَال الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا هُوَ الأْصَحُّ- إِلَى أَنَّ التَّحْذِيفَ مِنَ الْوَجْهِ لِمُحَاذَاتِهِ بَيَاضَ الْوَجْهِ؛ فَيُغْسَل مَعَهُ. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة هذه الفتاوى: 93899، 179873، 130782، 243748.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني