الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل يجوز أن أشتم أحدًا في سري دون علم أحد؟ وإذا كان ذلك لا يجوز فهل سأحاسب على ما قلته في سري؟ وشكرًا على هذا الموقع الجميل.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد قدمنا في الفتوى رقم: 115590 أنه يجوز انتقاد شخص بصوت منخفض، دون أن يسمعه أحد، إن كان ذلك لا يشتمل على سب، أو طعن بما ليس فيه.

أما إذا كان يشتمل على سباب، أو كلام فاحش، فهو غير جائز، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش البذيء. رواه الترمذي، وصححه الألباني.

وأما الشتم في القلب، فمعفو عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ، أَوْ تَتَكَلَّمْ. رواه البخاري.

ومحل هذا إن لم يصدر منه ظلم، أو ضرر لك، ولم يقع منك سوء ظن به، أو اعتقاد اتصافه بما تشتمه به، أو إرادة السوء به، وإلا فيحرم عليك أن تحدث نفسك، وتسيء الظن بأخيك سواء تلفظت بذلك أم لا؟

قال القاسمي في موعظة المؤمنين: بيان تحريم الغيبة بالقلب، وذلك بسوء الظن:

اعلم أن سوء الظن حرام مثل سوء القول، فكما يحرم عليك أن تحدث غيرك بلسانك بمساوئ الغير، فليس لك أن تحدث نفسك، وتسيء الظن بأخيك، ولست أعني به إلا عقد القلب، وحكمه على غيره ظنًّا بأمر سيئ، فأما الخواطر، وحديث النفس فهو معفو عنه، ولكن المنهي عنه أن يظن، والظن عبارة عما تركن إليه النفس، ويميل إليه القلب، فقد قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم) [الحجرات:12].

وسبب تحريمه أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علام الغيوب، فليس لك أن تعتقد في غيرك سوء، إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل، فإن لم ينكشف كذلك، فإنما الشيطان يلقيه إليك، فينبغي أن تكذبه؛ فإنه أفسق الفساق، وقد قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة) [الحجرات:6]، وفي الحديث: إن الله حرم من المسلم دمه، وماله، وأن يظن به ظن السوء.

وحينئذ؛ فإذا خطر لك وسواس سوء الظن، فينبغي أن تدفعه عن نفسك، وتقرر عليها أن حاله عندك مستور كما كان، وأن ما رأيته منه يحتمل الخير والشر.

فإن قلت: فبماذا يعرف عقد الظن، والشكوك تختلج، والنفس تحدث؟

فنقول: أمارة عقد الظن أن يتغير القلب معه عما كان، فينفر عنه نفورًا ما، ويستثقله، ويفتر عن مراعاته، وتفقده، وإكرامه، والاغتمام بسببه.

والمخرج منه أن لا يحققه، أي لا يحقق في نفسه بعقد، ولا فعل، لا في القلب، ولا في الجوارح.

وربما يلقي الشيطان أن هذا من فطنتك، وسرعة تنبهك، وذكائك، وأن المؤمن ينظر بنور الله تعالى، وهو على التحقيق ناظر بغرور الشيطان وظلمته.

ومهما عرفت هفوة مسلم بحجة، فانصحه في السر، ولا يخدعنك الشيطان، فيدعوك إلى اغتيابه. اهـ.

وأما الظالم فلا تأثم بشتمه سرًّا، ولا جهرًا؛ لقول الله تعالى: لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ {النساء:148}.

قال القاسمي: الآية صريحة في أنه يجوز للمظلوم أن يتكلم بالكلام الذي هو من السوء في جانب من ظلمه، ويؤيده الحديث الذي رواه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والحاكم، عن الشريد بن سويد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لَيُّ الواجد يحل عرضه، وعقوبته. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني