الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف المستفتي في مسائل الطلاق المختلف فيها

السؤال

في حال فعلت المرأة الأمر الذي علق عليه الطلاق ناسية أو متأولة، فهناك رأيان، ظاهر مذهب الشافعي ورواية عن أحمد أن الطلاق لا يقع لأن الزوجة لم تقصد المخالفة، ورأي آخر يقول إن الطلاق يقع، لأن الموضوع يتعلق بحقوق العباد، وما يتعلق بحقوق العباد لا يقبل فيه النسيان والخطأ، بل يَضمن من أتلف شيئا، فماذا يفعل من علق الطلاق ثلاث مرات، وحصل فيها حنث، وكانت المرأة ناسية؟ وهل يترك زوجته تطبيقا للحديث: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك؟ أم يرجح بين الأقوال؟ أم ماذا؟ أرجو إيضاح أدلة كل رأي وكيفية الترجيح بينها.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالذي رجحه بعض المحققين من العلماء عدم وقوع الطلاق إذا فعلت الزوجة ما علّق عليه طلاقها، كما بيناه في الفتوى رقم: 139800.

والمسائل المختلف في حكمها بين أهل العلم، يعمل المسلم فيها بما يغلب على ظنّه أنه الحق، إما بالنظر في الأدلة والعمل بأرجحها إن كان يقدر على ذلك، وإما بتقليد الأوثق في نفسه إن كان غير مؤهل للنظر في الأدلة، ويكفيه ذلك، أما حديث: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ـ فهو عند الشكّ أو الاشتباه في الحكم، مع العلم بأنّ العمل به عند الشك في وقوع الطلاق أو عدمه يكون بعدم الالتفات إلى الشك، والبقاء على أصل النكاح، كما نصّ عليه بعض أهل العلم، فقد جاء في شرح صحيح البخارى لابن بطال: وهذا معنى قوله عليه السلام: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ـ يقول: دع ما تشك فيه ولا تتيقن إباحته، وخذ ما لا شك فيه ولا التباس، وقال ابن المنذر: قال بعضهم: الشبهات تنصرف على وجوه: فمنها شيء يعلمه المرء محرمًا، ثم يشك فيه هل حل ذلك أم لا، فما كان من هذا النوع، فهو على أصل تحريمه........ والوجه الثاني: أن يكون الشيء حلالا فيشك في تحريمه، فما كان من هذه الوجه فهو على الإباحة حتى نعلم تحريمه بيقين، كالرجل تكون له الزوجة فيشك في طلاقها. اهـ
وإذا تساوت عنده الأقوال فقيل يعمل بأشدّها، وقيل بأيسرها، وقيل يخير بينها، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:... الإنسان إذا اختلفت عليه الفتوى فإنه يتبع من يراه أقرب إلى الحق، لغزارة علمه، وقوة إيمانه، كما أن الإنسان إذا كان مريضًا ثم اختلف عليه طبيبان، فإنه يأخذ بقول من يرى أنه أرجح لما وصفه له من دواء، وإن تساوى عنده الأمران، أي لم يرجح أحد العالمين المختلفين، فقال بعض العلماء: إنه يتبع القول الأشد، لأنه أحوط، وقال بعض العلماء: يتبع الأيسر لأنه الأصل في الشريعة الإسلامية، وقيل: يخيَّر بين هذا وهذا، والراجح: أنه يتبع الأيسر لأن هذا موافق ليسر الدين الإسلامي، لقول الله تبارك وتعالى: يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْر.

واعلم أنّ الموسوس يجوز له أن يأخذ بأيسر الأقوال المختلف فيها، ولا يكون ذلك من الترخص المذموم، كما بيناه في الفتوى رقم: 181305.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني