الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المراد بالفتنة.. والميزان في التمييز بين الحق والباطل

السؤال

كيف نفرق بين ما يحدث في البلاد بأنه فتنة أم صراع بين الحق والباطل؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن القتال والنزاع بين المسلمين قد يكون فتنة، وذلك إذا اشتبه الحال على الشخص ولم يتبين له المحق من المبطل ـ كأن تكون الطائفتان كلاهما معها حق وباطل ـ أو يكون النزاع مبنيا على باطل من أساسه، بأن يكون باعث النزاع وغايته حظوظا دنيوية من رياسة أو عصبية قبلية أو غير ذلك من الأغراض، فهذه الفتنة يعتزلها المسلم، ولا ينصر إحدى الطائفتين على الأخرى، بل يسعى في الصلح بين المتنازعين قدر المستطاع، وأما حيث تبين وظهر أن النزاع بين صاحب حق وصاحب باطل، وبين مظلوم وظالمه ـ وفق ما يقرره الثقات من أهل العلم والرشد بإعمال موازين الشرع الحنيف ـ فهذا الضرب من النزاع يجب فيه نصرة صاحب الحق والمظلوم قدر الوسع والطاقة، قال ابن تيمية: وأما إذا كانت فتنة بين المسلمين، مثل أن يقتتل رجلان أو طائفتان على ملك أو رئاسة أو على أهواء بينهم، كأهواء القبائل والموالي الذين ينتسب كل طائفة إلى رئيس أعتقهم، فيقاتلون على رئاسة سيدهم، وأهواء أهل المدائن الذين يتعصب كل طائفة لأهل مدينتهم، وأهواء أهل المذاهب والطرائق كالفقهاء الذين يتعصب كل قوم لحزبهم ويقتتلون، كما كان يجري في بلاد الأعاجم، ونحو ذلك، فهذا قتال الفتنة ينهى عنه هؤلاء وهؤلاء، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قالوا: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه أراد قتل صاحبه ـ وفي الصحيح أنه قال: من قتل تحت راية عمية يغضب لعصبة ويدعو لعصبة، فليس منا، أو قال: هو في النار ـ وقال صلى الله عليه وسلم: ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، والساعي خير من المرجع. اهـ.

قال ابن حجر: والمراد بالفتنة ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك، حيث لا يعلم المحق من المبطل، ثم نقل ابن حجر عن الطبري قوله: والصواب أن يقال: إن الفتنة أصلها الابتلاء، وإنكار المنكر واجب على كل من قدر عليه، فمن أعان المحق أصاب، ومن أعان المخطئ أخطأ، وإن أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها، وقال الطبري أيضا: لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حد ولا أبطل باطل ولوجد أهل الفسوق سبيلاً إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الأموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم عنهم بأن يقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها، وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء. اهـ.

وقال ابن باز: أما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن والقعود عنها: فمعروف عند أهل العلم، هذه الفتنة هي الفتن التي لا يظهر وجهها ولا يعلم طريق الحق فيها، بل هي ملتبسة، فهذه يجتنبها المؤمن ويبتعد عنها بأي ملجأ، فالمقصود أن هذا عند خفاء الأمور وعند خوف المؤمن على نفسه يجتنبها، أما إذا ظهر له الظالم من المظلوم والمبطل من المحق، فالواجب أن يكون مع المحق ومع المظلوم ضد الظالم وضد المبطل، كما قال صلى الله عليه وسلم: انصر أخاك ظالما أو مظلوما، قيل: يا رسول الله كيف أنصره ظالما؟ قال: تحجزه عن الظلم، فذلك نصره ـ أي منعه من الظلم هو النصر .اهـ باختصار من مجموع فتاواه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني