الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيف يتوب من تسبب في أذى موظف بسرقة جهاز كان في مسؤوليته

السؤال

قام عاملان بسرقة جهاز من مؤسسة عمومية؛ مما سبب أذى معنويا للعامل المسؤول المباشر عن هذا الجهاز، حيث تم تحويله إلى قسم آخر.
بعد سنوات، اقترح أحد العاملين على زميله، أن يشتريا بنفس ثمن الجهاز أشياء، ويضعانها في مصلى المؤسسة.
ما رأيكم في هذا الاقتراح؟
وكيف يكفران عن ذنبهما مع العامل الذي ألحقا به الأذى عن غير قصد، حيث إنهما لا يستطيعان مصارحته، خوفا من السجن؛ لأن القضية لا زالت في العدالة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل في التوبة من الذنوب والحقوق والمظالم التي بين العباد، أنها لا تصح إلا بأداء الحق، أو استحلال الظالم من المظلوم؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه، أو شيء، فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح، أخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه، فحمل عليه. رواه البخاري. قال العيني في (عمدة القاري): قوله "فليتحلله" قال الخطابي: معناه يستوهبه، ويقطع دعواه عنه ... ويقال: معنى "فليتحلله" إذا سأله: أن يجعله في حل. اهـ.
وقد سبق لنا بيان أن الحق إذا كان مما يستوفى كالمال ونحوه، فإنه يرد إلى صاحبه، لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: على اليد ما أخذت حتى تؤديه. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الحاكم ولم يتعقبه الذهبي.

وإن كان الحق مما لا يستوفى كالغيبة، والنميمة، والكذب ونحو ذلك، فيكتفي بالدعاء له والاستغفار، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 127747.
وقد ذكر الغزالي في كتاب (منهاج العابدين) كيفية التوبة من الذنوب التي بين العبد وبين الناس، وقال: هذا أشكل، وأصعب. وهي أقسام، قد تكون في المال، أو في النفس، أو في العرض، أو في الحرمة، أو الدين ... اهـ.
ثم ذكر تفصيل ذلك، ونبه على أن الاستحلال يكون إذا لم يخش الظالم زيادة غيظ المظلوم، أو هيج فتنة.

وقال: فإن خشيت ذلك، فالرجوع إلى الله تعالى ليرضيه عنك، والاستغفار الكثير لصاحبه ... وجملة الأمر، فما أمكنك من إرضاء الخصوم عملت. وما لم يمكنك، راجعت الله سبحانه وتعالى بالتضرع، والصدق ليرضيه عنك، فيكون ذلك في مشيئة الله تعالى يوم القيامة، والرجاء منه بفضله العظيم، وإحسانه العميم: أنه إذا علم الله الصدق من قلب العبد، فإنّه سبحانه يرضي خُصَمَاءَه من خزانة فضله. اهـ.
ونقل ذلك الجمل في حاشيته على شرح المنهج، ثم قال: قال الزركشي: وهو في غاية الحسن، والتحقيق. اهـ.
فالخلاصة أن من سرق هذا الجهاز، يلزمه رده إلى الجهة التي سرق منها إن كان باقيا، وإلا رد قيمته، ولا يلزمه أن يطلعهم على حقيقة الحال، بل يؤدي الحق الذي عليه بأي سبيل تيسر؛ لتبرأ ذمته.

وأما ما وقع على العامل المسؤول عن الجهاز من النقل، أو غيره من الأذى المعنوي، فإنه يستحله، فإن عجز عن ذلك، فليفعل ما سبق التنبيه عليه من الدعاء والاستغفار له، والرجوع إلى الله تعالى بالتضرع والصدق ليرضيه عن حقه يوم القيامة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني