الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

قد يجزى العبد على بعض عمله في الدنيا قبل الآخرة

السؤال

قال الله: "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا"، فهل يعني ذلك أنه قد يتأخر، أم لا يمكن أن يتأخر؟ وهل من الممكن أن يؤجر الفرد على حسن عمله في الدنيا، ويؤجر عليه في الآخرة؛ لأن الله قال: "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا"، ولم يقل: إن الفرد يجب أن يكون أجره في الدنيا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الجزاء الحقيقي على أعمال العباد يكون في الآخرة؛ لأنها هي دار الجزاء المحض، فقد قال الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ {آل عمران:185}، ولكن قد يجزى العبد على بعض عمله في الدنيا قبل الآخرة، كما قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {النحل:97}، وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4]. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189].

وقد وعد الله المؤمنين بالعز والنصر، والرفعة والعلو، والتمكين في الأرض والغلبة، وأخبر سبحانه وتعالى أنه يدافع عن المؤمنين، وأنه معهم، وأنه وليهم، فقال: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، وقال تعالى: وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال:19]، وقال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ [النحل:128]، وقال الله تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة:257]، وقال الله تعالى: وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ [الأعراف:196]، وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]، وقال الله تعالى: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، وقال تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة:11]، وقال تعالى: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، وقال تعالى: وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:173]، وقال تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].

قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: هذا وعد من الله لرسوله بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض، فتصلح بهم البلاد، وتخضع لهم العباد. اهـ.

وليبدلنهم بعد خوفهم أمنًا، وحكمًا، وفي الحديث: بشر هذه الأمة بالسناء، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض. رواه أحمد، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.

وروى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله لا يظلم مؤمنًا حسنة يعطى بها في الدنيا، ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يجزى بها. وروى الطبراني في الأوسط أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن الكافر إذا عمل حسنة، أطعم بها طعمة في الدنيا، وأما المؤمن فإن الله عز وجل يدخر له حسناته في الآخرة، ويعقبه رزقًا في الدنيا على طاعته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني