الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أبي وعمي تخاصما، ومنعنا أبي من زيارة عمي وجدتي التي تعيش معه، فهل تجوز طاعة أبي؟ أم علينا الذهاب في السر؟ وأبي لا يذهب لزيارة عمي وأمه، لأن عمي كان قد طرده من بيته، وتراجع عن قوله الآن، ولكن أبي يقول إنه لن يذهب إلى بيته أبدا حتى وإن كانت أمه معه، ولم ير أمه منذ ثمانية أشهر، وعمي يرفض مجيء جدتي عندنا، وجدتي عمرها 90 ـ أطال الله عمرها ـ ولا تستطيع أن تحكم على حالها فما حكم هذا؟ وهل أبي على حق أم عمي؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن منعكم أبوكم عن زيارة عمكم وجدتكم، ولم يكن له مسوغ شرعي في ذلك، فلا تجوز لكم طاعته فيه، فالطاعة إنما تكون في المعروف، كما في الحديث المتفق عليه عن علي ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف.

وهو هنا قد أمر بمعصية، فصلة الرحم واجبة وقطيعتها محرمة، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، وقد ذكرنا جملة منها في الفتوى رقم: 43714.

فعليكم بصلة رحمكم من غير علم أبيكم، وبذلك تكونون قد جمعتم بين الحسنيين، وهذا شبيه بما نقله القرافي في كتابه الفروق: أن رجلًا قال للإمام مالك رحمه الله تعالى: إن والدي في بلد السودان وقد كتب إليّ أن أقدم عليه، وأمي تمنعني من ذلك، فقال له الإمام مالك: أطع أباك، ولا تعص أمك. اهـ.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية في تفسير هذه العبارة قولهم: يعني أنه يبالغ في رضى أمه بسفره لوالده، ولو بأخذها معه، ليتمكن من طاعة أبيه وعدم عصيان أمه. اهـ.

أي: التوفيق بينهما في ذلك بحيث يرضيهما معًا، وإن كان عمكم قد طرد أباكم من بيته من غير غرض مشروع، فقد أساء، ولكن لا ينبغي مقابلة الإساءة بمثلها، روى مسلم عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه: أن رجلاً قال: يا رسول الله؛ إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي، فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.

وفي الختام نوصي بالسعي في الإصلاح وجمع شمل الأسرة، وبذل النصح لأبيكم بالحسنى، ولا سيما في قطيعته لأمه وعدم زيارته لها طيلة هذه المدة، فالإصلاح بين الناس من أفضل القربات وأجل الطاعات، وفيه الفضل العظيم، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 50300.

ولا تنسوا دعاء الله تعالى، فإنه من أعظم ما يحقق به المسلم مبتغاه، والقلوب بيد الله تعالى يصرفها كيف يشاء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني