الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم أخذ الطبيب نسبة من مبيعات الصيدلية مقابل دلالة المرضى عليها

السؤال

اشتريت صيدلية، وحدث تدليس علي في قيمتها من قبل صاحبها والسمسار، ودفعت مبلغا كبيرا فيها، ويوجد تعامل مع أحد الأطباء المجاورين للصيدلية، والمشكلة ليست في التعامل، لأنه على حد علمي يجوز، ولكن المشكلة في النسبة التي تأخذها الطبيبة، فقد أخبرني مالك الصيدلية الأول أنها نسبة بسيطة، ولكنني اكتشفت أنها كبيرة، وأنه لم يكن يدفع هذه النسبة، بل أقل، لأنه لو دفعها فسوف يخسر، لئلا تظهر المبيعات الحقيقية للصيدلية، ولأن الطبيبة استغلت أن الصيدلية ليست في مكان رئيس، ففرضت نسبة كبيرة على من كان قبلي، ولم أكن أعرف هذه النسبة، وأنا الآن أعاملها كما كان يفعل المالك السابق، وحاولت بقدر الإمكان أن أغير هذه النسبة، فلم أستطع، كما أنها تهددني أنها لن تتعامل مع الصيدلية، وإذا فعلت ذلك فربما أخسر مالي الذي دفعته في الصيدلية، فهل يجوز أن أدفع لها نسبة أقل من المتفق عليه وأتبع أسلوب المالك السابق؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يجوز لهذه الطبيبة، أخذ هذه النسبة ولا أقل منها ولا أكثر، وتزداد الحرمة وتشتد نكارتها إذا كان الدواء الذي تصفه لا يحتاج إليه المريض، أو كانت تعلم ما هو أفضل أو أقل ثمنا منه، ولا يخفى أن مهنة الطب ومكانتها تتنافى مع المتاجرة بها بهذه الطريقة المقيتة! وقد جاء في فتاوى دار الإفتاء المصرية ما يلي: لا يجوز للطبيب أن يخالف آداب مهنته، وعليه أن يضع نصب عينيه الأمانة في نصحه للمريض ومشورته له، وأن يدله على ما هو أنفع له في علاجه وأحفظ له في ماله، ولا يجوز له أن يُقَدِّم مصلحته في ذلك على حساب مصلحة المريض، فإن خالف ذلك فهو آثم شرعًا لأنه مستشار في ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ ـ رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وغيرهم.... وبالجملة فعلى الطبيب أن يتوخى مزيد الحرص التام والشامل والدائم على مصلحة المريض، وأن يجعلها أولا في ترتيب الأولويات، وقد جاء في المادة رقم: 8 ـ من لائحة آداب المهنة، الصادرة بقرار وزير الصحة والسكان رقم: 238ـ لسنة 2003م: لا يجوز للطبيب أن يأتي عملاً من الأعمال الآتية:... طلب أو قبول مكافأة أو أجر من أي نوع كان، نظير التعهد أو القيام بوصف أدوية أو أجهزة معينة للمرضى، أو إرسالهم إلى مستشفى أو مصح علاجي أو دور للتمريض أو صيدلية أو أي مكان محدد لإجراء الفحوص والتحاليل الطبية، أو لبيع المستلزمات أو العينات الطبية. اهـ.

وورد لمجلس الإفتاء والبحوث والدراسات الإسلامية في الأردن، هذا السؤال: هل يجوز للطبيب أخذ عمولة من صيدلية أو مختبر أو مركز أشعة مقابل توجيه المرضى لتلك المراكز الطبية؟ وفي حال رفضت هذه المراكز دفع العمولة، فإن الطبيب سيقوم بتوجيه مرضاه إلى مراكز أخرى، فأصدر البيان التالي: بعد الدراسة والبحث ومداولة الرأي، قرر المجلس ما يأتي: إن هذه المعاملة غير جائزة، ولا تليق بمهنة الطب التي تهدف لخدمة الإنسان، وذلك للاعتبارات التالية:

أولاً: لأن فيها إيهاماً للمريض أن هذا المختبر أو مركز الأشعة هو الأفضل دون غيره، وهو حرام، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ { التوبة:119}.

ثانياً: أن فيها أكلاً لأموال الناس بالباطل، لأن الطبيب يأخذ مالاً في غير مقابل، ويكلف المريض تكاليف زائدة إضافة إلى العلاج والأدوية التي أصبحت مرتفعة جداً، والله تعالى نهى عن أكل أموال الناس بالباطل، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً {النساء:٢٩}. وتشتد الحرمة إذا ما قام الطبيب بطلب فحوصات أو صور لا يحتاج إليها المريض.
ثالثاً: أنها تفسد ذمة الطبيب وتحوله من كونه طبيباً يرفق بالمريض ويخفف عنه معاناته، إلى إنسان مادي يدفعه الطمع إلى أن يتاجر بالمرضى ويزيد من آلامهم ومعاناتهم.
رابعاً: أن هذا فيه مخالفة لأخلاقيات مهنة الطب ..
ولذا، يجب على الأطباء التورع عن هذه الأعمال، وأن يقوموا بالنصيحة لمرضاهم ابتغاء الأجر والثواب عند الله سبحانه. والله تعالى أعلم. اهـ.
وورد على اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، سؤال حول اتفاق الأطباء في العيادات الخاصة مع أصحاب المختبرات الطبية، على نسبة من قيمة أجرة التحاليل، نظير تحويل المرضى إليهم، يتنازل عنها صاحب المختبر من حقه الخاص بحيث لا يزيد أجرة التحليل عن القيمة المسعرة من الوزارة؟ فجاء في إجابتها: إذا كان الواقع كما ذكر من الاتفاق السابق بين الطبيب في عيادته الخاصة وصاحب المختبر على أن يحول الطبيب إلى صاحب المختبر عمل التحاليل على أن يكون له نسبة من أجرة التحليل، فذلك غير جائز للطرفين، لما فيه من الأثرة والتحجير على أصحاب المختبرات الأخرى، إلا إذا كان صاحب هذا المختبر له امتياز على غيره من جهة الصدق والأمانة والتفوق في التحليل، فيجوز تخصيصه بالتحويل عليهن لما في ذلك من مزيد مصلحة للمريض، وإعانة للطبيب على إحكام العلاج، لكن لا يجوز للطبيب أن يأخذ من صاحب المختبر نسبة من أجرة التحليل، لأنه أخذ مال في غير مقابل. اهـ.
وبناء على ما سبق، فإن هذا الاتفاق لا يصح ابتداءً، ولا حق لهذه الطبيبة في هذا المال، ولا يجوز لها أخذ هذه النسبة من صاحب الصيدلية، لما في ذلك من أكل للمال بالباطل، وما يترتب عليه من مفاسد ومخالفات لآداب مهنة الطب وقواعد العمل فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني