الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم سفر البنت بدون محرم للإقامة بعيدا عن بيت أبيها تجنبا للمشاكل مع زوجته

السؤال

عندي مشاكل حقيقية في البيت. والدتي متوفاة منذ صغري، والآن أعيش مع والدي وزوجته.
المشاكل في البيت حقيقة كثيرة جداً مع زوجة أبي؛ لدرجة أن أختي شقيقتي بحثت عن عقد عمل في الخارج، وسافرت. حتى أبي -بكل أسف- لا أدري لماذا يصعب عليه مواجهة زوجته في كثير من الأمور! الأمر وصل لدرجة أنها تخفي عنا الطعام، والدي أخذ تركتنا من أمنا -رحمها الله-وأنفقها عليها، وعلى أولادها منه. لا أشكو أبي؛ فأنا أعلم أنها تنهال عليه بالطلبات طول الوقت، وتدخله في ديون كثيرة، ولهذا السبب اضطر والدي لفعل هذا.
ولكن ما أريد أن أسأل عنه الآن: هل يجوز لي في هذه الحالة السفر مثل أختي بدون محرم؟ أو تأجير شقة، والجلوس فيها مع صديقة لي مثلاً؟
الأمر حقيقة شديد، وكلمة "اصبري" أو "تحملي" هذه سمعتها لسنوات، حتى إنني -أستغفر الله العظيم- حاولت الانتحار أكثر من مرة.
لم أقم برواية كل شيء يحدث هنا في المنزل، فالأمور وصلت إلى مرحلة جعلت أعمامي يتدخلون ليتحدثوا مع أبي، ليعيد لنا أموالنا أنا وأختي على الأقل، ولمساعدته على الوقوف أمام زوجته.
شيء آخر استحييت أن أحكي عنه لأي مخلوق، ولكني هنا أستعمل اسما مستعارا، وأنتم لا تعرفون أهلي؛ لهذا سأحكي عن هذا الأمر.
عمي -أخو والدي، والذي هو لحمي ودمي- عمي يراودني عن نفسي، وعندما اشتدت الأمور هنا أصبح يعرض على أبي أن أعيش معه، ومع أسرته. لا أريد المكوث معه، ولن أستطيع أن أكون عبئاً على أي عم آخر، أو أي خال لأجلس معه. حتى لم يقم أي أحد آخر (باستثناء هذا العم) بعرض مكوثي معه، ومع أسرته أبداً.
من كثرة بكائي يتعجب كل من يراني، بسبب أنه تشكلت هالات سوداء بشكل بارز جداً عن الطبيعي، أنام بصعوبة شديدة. تراودني كوابيس مهينة، في تلك الكوابيس أرى زوجة أبي تضربني أمام والدي، وهو صامت. تراودني كوابيس كثيرة، وحقيقة لا أستطيع تحمل أكثر من هذا. زوجة أبي اضطرتني للاقتراض من الغير؛ لكي أحصل على الطعام. أعيش غريبة في المنزل. أعمامي قالوا إنهم سيتدخلون، ولكن أخشى ألا يتحرك والدي، أو أن يقنعه عمي بالجلوس معه.
أعتذر عن الكلام الكثير، ولكني أردت توضيح شدة الموقف الذي أنا فيه، وأنني قبل أن أتقدم للسفر مثل أختي، أو تأجير مكان لي ولصديقاتي، استنفدت كل ما عندي من وسائل أخرى. لا أريد أن أنتحر، أو أهرب كما حاولت في السابق، لا أريد أن أنهار، وربما أرتكب جناية وأقتل زوجة أبي. نعم، وصل الأمر إلى هذه الدرجة، وأنا أخشى الله، وأخشى على مستقبلي.
فأرجو حقيقة أن تخبروني إن كان في هذه الحالة، يجوز لي السعي خارج البلاد، أم ماذا أفعل؟
مع الشكر، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله عز وجل أن يزيل عنك الهم والغم، ويكشف الكرب، وأن يصلح حال أبيك وزوجته، والوصية بالصبر من أهم ما يقال في هذا المقام، فهو الذي يتسلى به المسلم عند المصائب، وينال به خير الدنيا والآخرة. وراجعي فضائله في الفتوى رقم: 18103.

واحرصي على الدعاء، وسؤال الله عز وجل العافية من كل بلاء، وهنالك أدعية تناسب المقام الذي أنت فيه، ضمناها الفتوى رقم: 70670.

ومن الحلول التي نقترحها عليك السعي في أمر الزواج، والاستعانة في ذلك بالثقات من الأقارب، وصديقاتك، فقد يرزقك الله زوجا صالحا، يخلصك مما أنت فيه، ويعينك في أمر دينك، ودنياك. ويجوز للمرأة شرعا أن تبحث عن الزوج الصالح، كما بينا في الفتوى رقم: 18430.

والانفراد عن أبيك، والسكن مع إحدى صديقاتك، جائز إن أمنت الفتنة.

قال زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: وتسكن البالغة، العاقلة، غير الُمزوَّجَة حيث شاءت، ولو بكرا، والأولى لها بيت أحد أبويهما إن كانا مفترقين، وبيتهما إن كانا مجتمعين، أي سكناها به؛ لأنه أبعد عن التهمة. اهـ.

وأما السفر للخارج عند الحاجة إليه، فلا حرج فيه إن كان البلد الذي ترغبين في السفر إليه تأمنين فيه على دينك، ونفسك. والأصل أنه لا يجوز للمرأة السفر بغير محرم؛ للنصوص الصحيحة التي جاءت بها السنة النبوية، وراجعيها في الفتوى رقم: 6219، وقد رخص بعض أهل العلم للمرأة عند العذر في السفر بغير محرم، إذا أمنت على نفسها الفتنة، وراجعي بشأن ذلك الفتوى رقم: 291967، وما أحيل عليه فيها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني