الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى قول اليهودي لزيد بن عمرو: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله

السؤال

قرأت قصة في البخاري ومسلم: أن شخصا كان يبحث عن الدين الحق، فسأل اليهود، فقالوا: لن تتهود إلا أن تنال من غضب الله، فقال: إنما أفر من غضب الله، ثم ذهب إلى النصارى ...الخ القصة.
سؤالي: هل من المعقول أن اليهود والنصارى في ذلك العصر، عندما يدعون لدينهم، يقولون ذلك عن دينهم؟ يعني القصة ليست حديثا، بل رواية عن ابن عمر، وبصراحة تخالف العقل.
فكيف للنصارى أن يقولوا ذلك عن دينهم!

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذه القصة ثابتة في صحيح البخاري، وليس في معناها ما يشكل على صحتها، ولا تدل على أن هذا النصح والبيان الواضح كان هو حال كل اليهود أو النصارى، وإنما فيها حال عالم واحد من علماء اليهود، وآخر من علماء النصارى.
وعلى أية حال، فإن كثيرا ممن يدين بدين باطل، يعلم أنه على باطل، ولكن يمنعه عن اتباع الحق إيثار الدنيا، أو الاستكبار والعلو في الأرض، كما قال تعالى: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل: 14].

قال الكشميري في (فيض الباري): قوله: (فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله) فيه دليل على أن اليهود كانوا يعلمون في أنفسهم أنهم قد باءوا بغضب من الله، وكذلك النصارى أيضا. اهـ.
ولا مانع من أن يوجد في أهل الباطل من يصرح بحاله، وينصح لغيره، ولاسيما إن كان محبا له، مشفقا عليه، كما روى البخاري أيضا عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقعد عند رأسه، فقال له: أسلم. فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم. فأسلم، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار.
قال الصنعاني في (التحبير): فيه أنّ أباه يعلم أنه رسول الله حقاً، {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم}. اهـ.
وقال ابن عثيمين في (شرح رياض الصالحين): فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حق، ودليل ذلك أن اليهودي قال لابنه: "أطع أبا القاسم" والحق ما شهدت به الأعداء، ومعلوم أن اليهود والنصارى يعرفون النبي صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، قال الله تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} وإنما كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم؛ لأن الله قال: {الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل} معروف مشهور باسمه العلم عليه السلام {الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم} هم يعرفون هذا، لكن الحسد -والعياذ بالله- والاستكبار، منعهم من الإيمان به {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق} نسأل الله السلامة. اهـ.
وهناك وجه آخر لجواب إشكال السائل، ذكره شهاب الدين الكَوْرَاني في (الكوثر الجاري) فقال: إن قلت: كيف صدر هذا الكلام من اليهودي؟ قلت: كان عالمًا بقرب البعثة، ونسخ شرعهم، أرشده إلى الصواب. اهـ.

وراجع للفائدة الفتوى رقم: 257125.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني