الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم نكاح الزانية غير التائبة

السؤال

أعربت عن رغبتي في الزواج من زميلة لي، فأسرت لي بزناها أكثر من مرة، وأن الزاني عاشرها معاشرة الأزواج على مدار 3 سنوات (5 مرات) وهو أحد أقربائها، وكان ينوي الزواج بها ولم يفعل، وتزوج من أخرى، وتقول إنها غير نادمة على ما فعلت، وإن عاد بها الزمن، فغالبا ستعود لنفس ما فعلت؛ لرغبتها فيه.
فما حكم الزواج من هذه الفتاة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز لك الزواج من تلك المرأة، ما دامت على تلك الحال، فالراجح عندنا أنّ نكاح الزانية -غير التائبة- محرم، لا يصحّ، وهذه المرأة معترفة بوقوعها في الفاحشة، ومصرة على تلك الكبيرة، غير نادمة على فعلها، وهذه طامة كبرى، فإنّ من وقع في الفاحشة وجبت عليه التوبة، ووجب عليه الستر على نفسه، وعدم المجاهرة بذنبه؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"... أَيُّهَا النَّاسُ؛ قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَنْتَهُوا عَنْ حُدُودِ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنْ هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ شَيْئًا، فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ. رواه مالك في الموطأ.

قال ابن عبد البر: وفيه أيضا ما يدل على أن الستر واجب على المسلم في خاصة نفسه، إذا أتى فاحشة. التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد.

وفي الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان؛ عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه. متفق عليه.

فإذا كانت المرأة بهذه البجاحة، والجرأة على المعصية، والاستخفاف بتلك الفاحشة، فكيف يرضاها رجل زوجة، يأتمنها على عرضه، وتكون أما لأولاده؟! فلو لم يكن في الشرع ما يمنع من تزوج مثل هذه المرأة، لكان من مقتضى الرجولة، والنخوة، والمروءة أن يأنف الرجل من الزواج من زانية، فإنّ ذلك فيه رضا بالفاحشة، وقبول بالدياثة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: فَإِنَّ الرَّجُلَ إذَا رَضِيَ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً، رَضِيَ بِأَنْ تَزْنِيَ امْرَأَتُهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً، فَأَحَدُهُمَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ مَا يُحِبُّ لِلْآخَرِ. فَإِذَا رَضِيَتْ الْمَرْأَةُ أَنْ تَنْكِحَ زَانِيًا، فَقَدْ رَضِيَتْ عَمَلَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَضِيَ الرَّجُلُ أَنْ يَنْكِحَ زَانِيَةً فَقَدْ رَضِيَ عَمَلَهَا، وَمَنْ رَضِيَ الزِّنَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الزَّانِي.

وقال: وَمَنْ تَزَوَّجَ غَيْرَ تَائِبَةٍ، فَقَدْ رَضِيَ أَنْ تَزْنِيَ إذْ لَا يُمْكِنُهُ مَنْعُهَا مِنْ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ كَيْدَ النِّسَاءِ عَظِيمٌ. مجموع الفتاوى.
فاتق الله، وأعرض عن هذه المرأة، وابحث عن زوجة صالحة تعفك وتصون عرضك، وتنفعك في دينك ودنياك، واعمل بوصية النبي صلى الله عليه وسلم: "... فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ. متفق عليه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني