الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رسم خرائط دول بآيات قرآنية... رؤية شرعية أدبية

السؤال

ما حكم رسم خرائط دول بآيات قرآنية، مثل رسم خريطة العراق بآية: (أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين) أو رسم خارطة العالم العربي بآية: (وَاعْتَصِمُوْا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيْعًا وَلاَ تَفَرَّقُوْا وَاذْكُرُوْا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوْبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالذي يظهر لنا هو المنع من مثل هذا العمل؛ لما فيه من استعمال أحرف القرآن، وكتابته على وجه لا يوفيه حقه من التعظيم، ولا يناسب الغرض من إنزاله، مع ما في ذلك من الابتذال والعبث. وقد حذر كثير من أهل العلم من المبالغة في زخرفة كتابة كلماته وحروفه.

قال الشيخ ابن عثيمين: إن من تعظيم كتاب الله أن لا يتلاعب الخطاط في خط كتاب الله عز وجل، فإن بعض الخطاط -هداهم الله- يخطون الكتاب العظيم على شكل تطريز، أو تلوين، أو قصور، أو منارة، أو مسجد، وأخبث من ذلك أن يخطوه على صورة إنسان؛ يخطون قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} [الحج:77] على صورة إنسان راكع أو ساجد، سبحان الله ما هذا التلاعب في كتاب الله، ما هذه الإهانة لكتاب الله؟! أن يكون كتاب الله كأنه نقوش تضعونها لتجميل جدرانكم، أو غير ذلك ... وإذا كان العلماء يختلفون في جواز كتابة القرآن على القواعد المعروفة في العصر، فكيف بمن يكتب القرآن على صورة نقوش، أو جدران، أو منارات أو غير ذلك؟! إن هذا حرام، لا يشك فيه أي إنسان عرف قدر كتاب الله، وعرف كلام أهل العلم، لذلك أحذر هؤلاء الخطاط، وأحذر الذين يطلبون منهم أن يخطوا كتاب الله عز وجل على هذه الصور والنقوش، وأقول: عظِّموا كتاب الله، فإن كتاب الله أجل وأعظم من أن يُجعل نقوشًا على الجدران بصورة قصر، أو بصورة منارة، أو بصورة مسجد، أو أخبث من ذلك أن يكون على صورة إنسان. فاحذروا عباد الله، احذروا أن تمتهنوا كتاب الله، احذروا أن يقل تعظيمكم لكتاب الله، فإن الإنسان إذا نقص قدر كلام الله في نفسه، فسينقص في نفسه جميع شريعة الله، نسأل الله لنا ولهم الهداية، ومن كان عنده شيء من ذلك، فليتلفه فورًا، توبة إلى الله عز وجل، وتعظيمًا لكتاب الله، واحترامًا لكتاب الله. اهـ.

وقال في (فتاوى نور على الدرب): رأيت بعض الناس يكتب هذه الآيات بحروف أشبه ما تكون مزخرفة، حتى إني رأيت من كتب بعض الآيات على صورة طائر، أو حيوان، أو رَجُلٍ جالسٍ جلوس التشهد في الصلاة، أو ما أشبه ذلك، فيكتبون هذه الآيات على وجه محرم، على وجه التصوير الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعله. اهـ.
وقال أيضا: وتارةً يعلق القرآن لكونه مكتوباً على وجهٍ مطرز، وكأنه نقوش ووشم، حتى إن بعضهم يكتب على هيئة قصر، وعلى هيئة منارة، وما أشبه ذلك. فهذا أشبه ما يكون باللعب بكتاب الله عز وجل. اهـ.
وجاء في سؤال للجنة الدائمة للإفتاء: يقوم بعض العاملين على أجهزة الطباعة بكتابة (البسملة) على هيئة (صفة) طائر النعام، أو أشكال أخرى. ما حكم ذلك مع التوجيه والنصح؟ جزاكم الله خيرا.
فأجابت: هذا العمل المذكور، وهو كتابة البسملة، أو غيرها من الأذكار الشرعية على شكل طائر النعام، أو غيره من الحيوانات، عمل منكر، وفيه انتقاص لجناب الله سبحانه وتعالى، فلا يجوز إقراره، والسكوت عليه؛ لأمور:

أولها: أن فيه تصويرا لذوات الأرواح، وذلك محرم.

ثانيها: الإساءة إلى أسماء الله وصفاته، وابتذالها.

ثالثها: العبث، أو الاستخفاف بآية من كتاب الله تعالى، وهي: بسم الله الرحمن الرحيم. اهـ.
وقد بحث مجمع الفقه الإسلامي، التابع لرابطة العالم الإسلامي، مسألة كتابة الآيات القرآنية على شكل لوحات للديكور وبيعها.

ومما جاء في قراره بهذا الخصوص: ويؤكد المجلس أن على المسلمين أن يعرفوا لكتاب ربهم منزلته، ويقدروه قدره، ويجعلوا مقاصده نصب أعينهم، ويتخذوا منه، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم، مناراً يهتدون بهما.

والمجلس إذ يذَّكر بهذا، ليهيب بالمسلمين القيام بما يجب عليهم تجاه الآيات القرآنية من احترامها، والمحافظة عليها من الامتهان والعبث، ويقرر ما يلي:

أولاً: جواز كتابة الآيات القرآنية، وزخرفتها، واستخدامها لمقصد مشروع، كأن تكون وسائل إيضاح لتعلم القرآن وتعليمه، وللقراءة، والتذكير والاتعاظ، وفق الضوابط الآتية:

(1) أن تعامل اللوحات المكتوب فيها القرآن من حيث الصناعة، والنقل، معاملة طباعة المصحف، وهذا يوجب اتخاذ الإجراءات التي تضمن احترام الآيات المكتوبة، وصيانتها عن الامتهان.

(2) عدم التهاون بألفاظ القرآن، ومعانيه، فلا تصرف عن مدلولها الشرعي، ولا تبتر عن سياقها.

(3) أن لا تصنع بمواد نجسة، أو يحرم استعمالها.

(4) أن لا تدخل في باب العبث كتقطيع الحروف، وإدخال بعض الكلمات في بعض، وأن لا يبالغ في زخرفتها بحيث تصعب قراءتها.

(5) أن لا تجعل على صورة ذوات الأرواح، كما لو جعلت اللوحة القرآنية على شكل إنسان، أو على شكل طائر، أو حيوان؛ ونحو ذلك من الأشكال التي لا يليق وضعها قالباً لآيات القرآن الكريم.

(6) أن لا تصنع للتعاويذ المبتدعة، وسائر المعتقدات الباطلة، ولا للصناعات المبتذلة، ولا لترويج البضائع، وإغراء الناس بالشراء. ... اهـ.

وراجع للفائدة، الفتوى رقم: 137525.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني