الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قتل الأب ابنته التي اعترفت بالزنى

السؤال

هل يجوز قتل الزانية المتزوجة من قبل أبيها بعد اعترافها على نفسها بأنها زنت مع أكثر من شخص أمام أخواتها ووالدتها ووالدها, وذلك لعدم تفشي الخبر بين الناس والستر على سمعة العائلة بمادة قاتلة كالسم؟.
وجزاكم الله الخير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز لوالد هذه المرأة ولا غيره قتل هذه المرأة، فمن قتلها أثم إثما عظيما، وإقامة الحدود من شأن الحاكم المسلم وليس إلى عامة الناس، قال القاضي أبو بكر بن العربي عند تفسير قوله تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ{النور:2} لا خلاف أن المخاطبة بهذا الأمر بالجلد الإمام ومن ناب عنه. اهـ.

وإنما كانت إقامة الحدود إلى الحاكم أو نائبه لخطرها، واحتياجها إلى النظر والاستيثاق، ولو أنه أذن لكل أحد في استيفائها لعمت الفوضى ولأخذ البريء مع المذنب، وليس في القتل ستر لأمر هذه المرأة، بل قد يترتب عليه عكس المقصود. فالواجب على هذه المرأة أن تتوب إلى الله تعالى توبة نصوحا، ويجب الستر عليها، فالستر على المسلم مطلوب شرعا، وإذا تابت إلى الله وأنابت فعلى زوجها أن يمسكها ويحسن عشرتها، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يستبرئها، قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع على زاد المستقنع:... بل إن القول المروي عن أبي بكر وجماعة من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أن المزني بها لا عدة عليها إطلاقًا ولا تستبرأ، لا سيما إذا كانت ذات زوج، لقول الرسول عليه الصلاة السلام: الولد للفراش، بل ينبغي للإنسان إذا علم أن زوجته زنت ـ والعياذ بالله ـ وتابت أن يجامعها في الحال، حتى لا يبقى في قلبه شك في المستقبل هل حملت من جماع الزنا أو لم تحمل؟ فإذا جامعها في الحال حمل الولد على أنه للزوج وليس للزاني، أما إذا كانت المرأة الزانية ليس لها زوج، فلابد أن تستبرأ بحيضة على القول الراجح. اهـ.

وإن كان أهلها قد ضغطوا عليها حتى تعترف فقد أساءوا إساءة بالغة، فالشرع متشوف إلى الستر، ولننظر ماذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ماعز ـ رضي الله عنه ـ عندما جاء معترفا بالزنا، ففي صحيح البخاري عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: لما أتى ماعز بن مالك ـ رضي الله عنه ـ النبي صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت... الحديث.

وقد ذكر أهل العلم أن المقر يستحب له الرجوع عن إقراره، وأنه لو رجع ولو في أثناء إقامة الحد عليه سقط عنه الحد. قال الهيتمي في تحفة المحتاج: أما المقر: فيستحب له الرجوع، لما مر، فإن رجع عن الإقرار ولو بعد الشروع في الحد سقط عنه الحد لتعريضه صلى الله عليه وسلم لماعز بالرجوع بقوله: لعلك قبلت، لعلك لمست، أبك جنون؟ ولأنهم لما رجموه قال ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا وذكروا ذلك له صلى الله عليه وسلم، فقال: هلا تركتموه لعله يتوب، فيتوب الله عليه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني