الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى تكفير أيوب عليه السلام عمن يذكران الله في تنازعهما

السؤال

فَلَمَّا رَاحا إِلَيْهِ، لَمْ يَصْبِرِ الرَّجُلُ حَتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ أَيُّوبُ: لَا أَدْرِي مَا يَقُولُ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَمُرُّ عَلَى الرِّجْلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ، فَيَذْكُرَانِ اللَّهَ، فَأَرْجِعُ إِلَى بَيْتِي، فَأُكَفِّرُ عَنْهُمَا، كَرَاهِيَةَ أَنْ يُذْكَرَ اللَّهُ إِلَّا فِي حَقٍّ. إلى آخر الحديث.
ما معنى: أكفر، في الحديث؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذ الحديث قد أخرجه ابن حبان في صحيحه، وصححه الحاكم، والألباني.

ومعنى قوله: (فأكفر عنهما) أي يخرج عن الرجلين من الصدقة ونحوها، ما يكون تكفيرا لما صدر عنهما من الكلام، الذي فيه خلط ذكر الله بما لا يجوز.

قال الطحاوي: فتأملنا ما في هذا الحديث من قول أيوب عليه السلام، للرجل الذي قال له ما قال: (والله ما أدري ما تقول، غير أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان فيذكران الله عز وجل، فأرجع إلى بيتي، فأكفر عنهما، كراهية أن يذكرا الله إلا في حق) فكان محالا أن يكون ما كان منه صلى الله عليه وسلم في ذلك كفارة عن يمين كانت منهما، أو من أحدهما؛ لأنه لا يجوز أن يكفر عن حالف بيمين غيره بعد حنثه فيها، ولا قبل حنثه فيها وهو حي، ولكنه عندنا -والله أعلم- على كفارة عن الكلام الذي ذكر الله عز وجل فيه، مما لم يكن يصلح أن يذكر.

وكان أحسن ما حضرنا في تأويل ما قال أيوب -صلوات الله عليه- مما ذكر عنه في هذا الحديث: أنه لما كان من خطاب ذينك الرجلين ما كان، مما خلطا ذكر الله بما لا يصلح ذكره عز وجل فيه، كان ذلك خطيئة قد ظهرت، وما ظهر من الخطايا، فلم تغير، عذب الله تعالى عليه الخاصة والعامة. فلما عاد ما كان من ذينك الرجلين إلى ما يؤخذ به العامة، تلافاه أيوب بما يدفع وقوع عذاب الله من الصدقة التي تكفر الذنوب، وتدفع العقوبات من غير أن يكون ذينك الرجلين قد كانت لهما في ذلك كفارة، فكانت تلك الكفارة تغطي تلك المعصية تغطية فيها فناؤها، وإن كان الرجلان اللذان اكتسباها لم يدخلا في ذلك، ومثل ذلك قوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون} [الأنفال: 33] ، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أنه يرفع العذاب عنهم، وإن كانوا يستحقونه، باستغفارهم إياه، وكان ذلك الاستغفار، والله أعلم، مما يقع في القلوب أنه لم يكن كان من جميعهم، ولكنه كان من بعضهم، فرفعت به العقوبة عمن كانت منه تلك المعاصي، وعمن لم تكن منه، فهذا أحسن ما حضرنا من المعاني التي يحتملها ما قد ذكرناه عن أيوب عليه السلام، والله أعلم بالحقيقة كانت في ذلك .اهـ. باختصار من شرح معاني الآثار.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني