الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى قوله عليه الصلاة والسلام: شر الأمور محدثاتها

السؤال

في الحديث: إن شر الأمور محدثاتها ـ أريد شرحا للمحدثات، فهل هي مقتصرة على محدثات الدين أم تدخل فيها الدنيا؟ وكيف تكون شر الأمور والإسلام يأمرنا بالتفكر والعمل ومواكبة العصر، وفي نفس الوقت ينهانا عن المحدثات، فإن كانت في الدنيا فتركناها صرنا متخلفين عن أقراننا من غير المسلمين، وإن كانت في الدين صعبت علينا الفتوى في الأمور المعاصرة وتطبيق الإسلام الذي هو لكل زمان؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإنه قد ورد في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

والمراد بالمحدثات في الحديث: المحدثات في أمور الدين والعبادات، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا ما ليس فيه فهو رد.

قال الخادمي في بريقة محمودية: وشر الأمور محدثاتها ـ التي حدثت بعد رسول الله، ولم يكن لها إشارة منه صلى الله تعالى عليه وسلم إلى إذنها، أو حدثت بعد الخلفاء الراشدين أو بعد الصحابة، بل بعد التابعين، فهذا كعطف العلة على المعلول، لأنه إذا كان ما حدث بعده شر الأمور، فما وجد منه صلى الله تعالى عليه وسلم فعلا أو قولا أو تقريرا أو سكوتا فخيرها: وكل محدث ـ أي في العبادة كما فهم آنفا: بدعة ـ قبيحة على خلاف الملة المحمدية: وكل بدعة ضلالة ـ خلاف طريق السنة. اهـ.

وقال المباركفوري في مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: قوله: من أحدث في أمرنا هذا ـ أي في شأننا وطريقنا، فالأمر واحد الأمور، أطلق على الدين من حيث أنه طريقه وشأنه الذي يتعلق به، أو في ما أمرنا به بالوحي المتعبد بتلاوته، أو بالوحي الذي ليس بقرآن، فالأمر واحد الأوامر، أطلق على المأمور به، والمراد الشرع والدين كما وقع في بعض الروايات: من أحدث في ديننا ـ قيل: عبر عن الدين بالأمر تنبيهاً على أن هذا الدين هو أمرنا الذي نهتم له ونشتغل به، بحيث لا يخلو عنه شيء من أقوالنا وأفعالنا وأحوالنا. اهـ.

وقال النفراوي في شرح الرسالة: ولما كان كل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف، قال: ويجب على المكلف ترك فعل كل ما أحدثه المحدثون من الابتداعات المخالفة لما كان عليه السلف الصالح، لقوله صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد ـ وقال عليه الصلاة والسلام أيضا: إياكم ومحدثات الأمور ـ وهي ابتداعات الخلف السيئ الذين أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، لأنه عليه الصلاة والسلام لم يمت حتى مهد الدين وأسس قواعده وأوضح كل ما يحتاج إليه، ثم أحال بعده على أصحابه، فقال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ـ الحديث فكل ما كان في كتاب أو سنة أو أجمع عليه أو استند إلى قياس أو إلى عمل أحد من الصحابة فهو دين الله, وما خالف ذلك فبدعة وضلالة، فلا يجوز العمل به, وبهذا لا معارضة بين ما هنا وبين ما يأتي في الأقضية يحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، فإنه جعلها من الشرع ولم يجعلها ضلالة، لأن ما يأتي محمول على ما استند إلى كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس, وما هنا محمول على ما لم يستند إلى واحد منها. اهـ.

وراجع في شأن الأمور الدنيوية الفتوى رقم: 73678.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني