الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من سبق لسانه بالكفر

السؤال

ما الفرق بين الاستهزاء بالدين، وأخطاء اللسان من غير قصد؟ حيث كنت مع أصحابي على القهوة، وكنت أتفرج على مباراة الأهلي، فقال لي أحد أصحابي: خفض الصوت من أجل أذان العصر، فقلت له: لو كان شخص آخر فهل ستقول له؟ دون قصد الاستهزاء بأذان العصر، وقد خفضت الصوت، فهل هذا الكلام فيه استهزاء بأذان العصر؟ وهل أنا كافر، مع أنني أعاني من وسواس في أمور الدين؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الاستهزاء بالدين كفر، سواء كان الشخص جادًّا أم هازلًا؛ لقوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ*لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ {التوبة: 66}.

أما ما كان مجرد سبق لسان أو غلطًا، فهذا لا يضر ـ إن شاء الله تعالى ـ فقد قال صلى الله عليه وسلم: رفع عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. رواه ابن ماجه، والحاكم. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي الخطأ، والنسيان. متفق عليه.

وقال صلى الله عليه وسلم حكاية عن رجل في حديث التوبة: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. رواه مسلم.

وعلى هذا؛ فإن من زلَّ لسانه فتكلم بما هو ردة دون قصد، بل على سبيل الغلط، لا يحكم بردته، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: لا بدَّ في العقود، وغيرها من قصد التكلم وإرادته، فلو فرض أن الكلمة صدرت من نائم، أو ذاهل، أو قصد كلمة فجرى على لسانه بأخرى، أو سبق بها لسانه من غير قصد لها، لم يترتب على مثل هذا حكم في نفس الأمر قط. انتهـى.

وفي فتاوى نور على الدرب للشيخ محمد بن صالح العثيمين في معرض كلامه عن الفرق بين النطق بالكفر قصدًا والنطق به عن سبق لسان: أما شيء سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سب بدون قصد, بل سبقًا على اللسان، فهذا لا يكفر؛ لأنه ما قصد السب, بخلاف الذي يقصده وهو يمزح؛ ولهذا ثبت في الصحيح في قصة الرجل الذي كان في فلاةٍ فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه فلم يجدها, ثم نام تحت شجرةٍ ينتظر الموت, فإذا بناقته على رأسه، فأخذ بزمامها, وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح، فلم يؤاخذ؛ لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصودٍ له, بل سبق على لسانه, فأخطأ من شدة الفرح, فيجب أن نعرف الفرق بين القصد وعدمه. انتهى.

وأما من قصد الاستهزاء بالإسلام: فإنه يكفر بذلك، قال ابن قدامة في المغني: ومن سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحًا أو جادًّا، وكذلك من استهزأ بالله تعالى، أو بآياته، أو برسله، أو كتبه... اهـ.

هذا، وننبه إلى أن العبارة المذكورة في السؤال ليست واضحة في الاستهزاء بالأذان، ولا بالصلاة، وربما يكون سؤالك عنها من الوسوسة التي تعانيها، فعليك بالإعراض عن الوسوسة، وراجع الفتويين رقم :163291، ورقم: 51239، لبيان كيفية التغلب على الوساوس.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني