الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يعتبر الإضرار بالأعضاء الداخلية في الجائفة؟

السؤال

ورد في الحديث أنه (في الجائفة، ثلث الدية)، والجائفة هي الجرح النافذ للجوف، وبعد تقدم الطب نری اختلافًا كبيرًا في الجراح الجائفة، من حيث الإضرار بالأعضاء الداخلية، أو عدمه، فهل نحكم بثلث الدية، سواء كان الجرح غير مضر بالأعضاء الداخلية، أم أثَّر فيها، سواء أضر بالكبد أم الكلی، أم الأمعاء؛ لأن النصوص جعلت الجائفة واحدة؟ خصوصًا أن الطب الشرعي يختلف تقديره في تحديد نسب العجز، عن الحدود الشرعية، مع أن الملاحظ أن الجائفة في غياب الرعاية الطبية الحديثة، أثرها واحد، وربما تصل إلی الموت، لكن مع تطور الطب، ألا يجب إعادة تعريف الجائفة من حيث تأثيرها علی البدن؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فكلام أهل العلم يقتضي أن في الجائفة ثلث الدية بكل حال، وأنه لا يعتبر المعنى الذي أشرت إليه من الإضرار بالأعضاء الداخلية، ونحو ذلك، وهذا هو ظاهر الحديث، وما يقتضيه كلام أهل العلم، قال ابن قدامة -رحمه الله-: مَسْأَلَةٌ؛ قَالَ: (وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ)، وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ، مِنْهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَأَهْلُ الْكُوفَةِ، وَأَهْلُ الْحَدِيثِ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ، إلَّا مَكْحُولًا، قَالَ فِيهَا: فِي الْعَمْدِ ثُلُثَا الدِّيَةِ. وَلَنَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: «وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ». وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَلِأَنَّهَا جِرَاحَةٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ قَدْرُ أَرْشِهَا بِالْعَمْدِ وَالْخَطَإِ، كَالْمُوضِحَةِ، وَلَا نَعْلَمُ فِي جِرَاحِ الْبَدَنِ الْخَالِيَةِ عَنْ قَطْعِ الْأَعْضَاءِ، وَكَسْرِ الْعِظَامِ مُقَدَّرًا غَيْرَ الْجَائِفَةِ، وَالْجَائِفَةُ: مَا وَصَلَ إلَى الْجَوْفِ مِنْ بَطْنٍ، أَوْ ظَهْرٍ، أَوْ صَدْرٍ، أَوْ ثُغْرَةِ نَحْرٍ، أَوْ وَرِكٍ، أَوْ غَيْرِهِ. وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، أَنَّ مَالِكًا، وَأَبَا حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيَّ، وَالْبَتِّيَّ، وَأَصْحَابَهُمْ، اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَائِفَةَ لَا تَكُونُ إلَّا فِي الْجَوْفِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْجَائِفَةُ مَا أَفْضَى إلَى الْجَوْفِ، وَلَوْ بِمَغْرِزِ إبْرَةٍ. انتهى.

وثم تفصيلات كثيرة متعلقة بهذه المسألة، يمكن مراجعتها في المطولات، بيد أن المعنى الذي ذكرته، لم نجد من نص على اعتباره من أهل العلم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني