الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كيفية استحضار النية في الصلاة والزكاة والصيام

السؤال

أود أن أسأل حضراتكم عن موضوع استحضار النية، فهناك جزئيتان: أول جزئية: أن هناك بعض الفروض -مثل الزكاة- فأنا شخصيًّا كنت لا أعلم تمامًا أنه يجب استحضار النية قبل دفعها، فهل يجب عليّ دفعها مرة أخرى؟
والجزئية الثانية: أنا أعلم أنه عند فعل بعض الفروض الأخرى -مثل الصلاة، والصيام- هناك ما يسمى باستحضار النية قبل أدائها، ولكني لم أعلم أن عدم الاستحضار للنية يفسد الصلاة، أو الصيام، فكنت كثيرًا جدًّا لا أنوي؛ لأن الموضوع لم يدخل في ذهني أنه من الأساسيات، فهل عليّ أيضًا إعادة صيام أيام رمضان، وإعادة صلواتي مرة أخرى؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد تضمن سؤالك عدة أمور, وستكون الإجابة في النقاط التالية:

1ـ لا شك أن النية شرط في إجزاء الزكاة, كما سبق في الفتوى رقم: 213346.

لكن إذا كان السائل يعزل مالًا، ويخرجه بوصفه زكاة واجبة عن ماله, فقد حصلت نية الزكاة, ولا يشترط النطق بكونها زكاة، قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: فإن النية أن يعتقد أنها زكاته، أو زكاة من يخرج عنه، كالصبي، والمجنون، ومحلها القلب؛ لأن محل الاعتقادات كلها القلب. انتهى.

وقال الدسوقي -المالكي- في حاشيته: والنية الحكمية كافية، فإذا عَدَّ دراهمه، وأخرج ما يجب فيها، ولم يلاحظ أن هذا المخرج زكاة، لكن لو سئل ما يفعل؟ لأجاب أن هذا زكاة مال، أجزأه. إن قلت: إذا كانت النية الحكمية كافية، فما المحترز عنه بقوله: ووجب نيتها؟ قلت: المحترز عنه ما لو كانت عادته يعطي زيدًا كل سنة دينارًا مثلًا، فلما أعطاه له، نوى بعد الدفع الزكاة. انتهى.

وفي حاشية العدوي على شرح الخرشي المالكي: لا يخفى أن عزلها بوصف أنها زكاة، مستلزم للنية؛ لأن النية الحكمية تكفي. انتهى.

2ـ نية الصلاة المعينة لا بد منها, لكن الإنسان إذا قام للصلاة, فقد حصلت منه نيتها, ولا داعي للتلفظ بها، قال الشيخ العثيمين ـ رحمه الله ـ في الشرح الممتع: مسألة: يقول بعض الناس: إن النيَّة تَشُقُّ عليه، وجوابه: أنَّ النيَّة سهلة، وتركها هو الشَّاقُّ، فإنه إذا توضَّأ، وخرج من بيته إلى الصلاة، فإنه بلا شَكٍّ قد نوى، فالذي جاء به إلى المسجد، وجعله يقف في الصَّف ويكبِّر، هو نيَّة الصلاة، حتى قال بعض العلماء: لو كلَّفنا الله عملًا بلا نيَّة، لكان من تكليف ما لا يُطاق، فلو قيل: صَلِّ، ولكن لا تنوِ الصَّلاة، توضَّأ، ولكن لا تنوِ الوُضُوء، لم يستطع، ما من عمل إلا بنيَّة؛ ولهذا قال شيخ الإسلام: النيَّة تتبع العلم، فمن علم ما أراد فِعْلَه، فقد نواه؛ إذ لا يمكن فعله بلا نيَّة ـ وصَدَق رحمه الله ـ ويدلُّك لهذا قوله عليه الصَّلاة والسَّلام: إنَّما الأعمال بالنيَّات. أي: لا عمل إلا بنيَّة. انتهى.

3ـ نية الصيام أمرها سهل ـ كما هو حال النية عمومًا ـ فلا يشترط فيها التلفظ باللسان, بل محلها القلب, فإذا تسحر الإنسان ليصوم, فقد نوى, وإذا خطر بباله أنه صائم غدا, فقد نوى، جاء في فتاوى جلسات رمضانية للشيخ ابن عثيمين: ثم إن الإنسان إذا قام في آخر الليل، وقرَّب الأكل، وأكل وشرب، ناوٍ أو غير ناوٍ؟ ناوٍ، لو قيل له: صم ولا تنوِ الصيام، يستطيع أو لا يستطيع؟ لا يستطيع، كما قال بعض العلماء: لو كلفنا الله عملًا بلا نية، لكان من تكليف ما لا يطاق، صحيح! لو أن الله قال: يا عبادي! اعملوا، ولا تنووا، لا نطيق، كيف نعمل، ونحن نعمل باختيارنا ولا ننوي؟ ما من إنسان يفعل باختياره إلا وهو ناوٍ, لكن مسألة أن الإنسان يقوم في آخر الليل ويتسحر، معروف أنه ناوٍ. انتهى.

جاء في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: فإن النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، والتابعين لم ينقل عن واحد منهم أنه تكلم بلفظ النية، لا في صلاة، ولا طهارة، ولا صيام، قالوا: لأنها تحصل مع العلم بالفعل ضرورة، فالتكلم بها نوع هوس، وعبث، وهذيان، والنية تكون في قلب الإنسان، ويعتقد أنها ليست في قلبه، فيريد تحصيلها بلسانه، وتحصيل الحاصل محال؛ فلذلك يقع كثير من الناس في أنواع من الوسواس. انتهى.

وبناء على ما سبق؛ فالظاهر أن السائل قد كان يأتي بالنية في مسائل العبادات التي سأل عنها من: زكاة, وصلاة, وصلاة.

ومن ثم؛ فلا إعادة عليه, فالنية أمرها سهل, ومحلها القلب, ولا داعي للتلفظ بها في العبادات المذكورة في السؤال.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني