الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

كل رمضانات الفائتة وأنا أتذكر أبي، وهو إنسان آخر يسب يشتم، يضرب، يتحول إلى إنسان ليس في وعيه بأتم معنى الكلمة، و كرامة من الله جل في علاه، مند عامين قرر أن لا يصوم، باعتباره وجد بعض التحاليل الخاصة بالكلى، مختلفة عن الطبيعية، ورغم أنه أصبح في حالة جيدة، وكل أمر أصبح طبيعيا باعتبار أنه أصبح يشرب الماء كثيرا، إلا أنه ما زال لا يصوم خوفا من الوقوع في المرض، ولأخذ قرار عدم الصيام تكلم معي، فكنت أستطيع أن أقول له: اشرب الماء ولا تأكل، ولكنني تجنبت هذا خوفا على ما يحدث إذا صام، فهو حقيقة يغيب عن الوعي، فمثلا لأبين لك ذلك: في بعض الأحيان يأتي قبل المغرب ويقول: من أكل هذه، ونحن كلنا صائمون؟ وهو من أحضرها في الظهيرة، ويسب، ويشتم الخ من التعذيب، بالإضافة إلى هذا أخاف أنه لو حدث له مكروه في الكلى -قدرا من الله- يقول لي: كنت سأفطر، وبسببك مرضت، حتى ولو كان مرضه ليست له علاقة بالصيام. ولهذا لم أصر على أن يصوم، وتركته يكمل عدم الصيام.
فهل أنا مذنبة، وعلي أن أخبره بالصيام، أم أكمل هكذا؟
إضافة إلى هذا عندما بدأ يفطر، كان يمتنع عن أخد "النفة" وهي ما يضعها بعض الشباب تحت الشفاه، فهناك النفة، والسيجارة، فيصبح تقريبا مثلما كان صائما، ويقول لي إنها هي التي تؤثر فيه كثيرا، وكأنه صائم، فقلت له: لم نسمع بإنسان أفطر وصام عن شيء واحد، فقال لي: أفطرت بسبب المرض، ولكن النفة ليس لها دخل، فقال لي: هناك من يشرب الدواء، ويصوم عن الأكل والشرب، فسألت إماما، وأجاز له أخذها؛ لأنه إذا لم يأخذها سيقوم بالسب والشتم.
فهل علي شيء لإقناعه بأخذها؟
وجزاكم الله ألف خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

ففي البداية لا بد من التنبيه على أن الله تعالى قد أمر بالإحسان إلى الأبوين: ببرهما، ومعاملتهما باللطف، وحسن الصحبة، حيث قال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْأِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً (الأحقاف: 15). وقال تعالى: وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً (لقمان: 15).

وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها، قال: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين، قال: ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.

فالواجب عليكم بر أبيكم, وأن لا تردوا بالمثل على ما يصدر عنه من إساءة, وسب, وشتم, وأنتم مأجورون على تحمله.

ثم إذا كان أبوكم يقدرعلى الصيام, فإنه يجب عليه, وإن كان الصيام يضر به, فإنه يباح له الفطر, وعليه أن يعتمد في هذا على طبيب عارف, كما ذكرنا في الفتوى رقم: 68008.

وبخصوص نصيحتك لأبيك, فإذا علمت أنها لا تفيد, أو يلحقك أذى بسببها, فإنها تسقط عنك, ولا يلحقك إثم.

جاء في شرح صحيح البخاري لابن بطال: والنصيحة فرض، يجزئ فيه من قام به، ويسقط عن الباقين، والنصيحة لازمة على قدر الطاقة، إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه، ويطاع أمره، وأمن على نفسه المكروه. وأما إن خشي الأذى، فهو في سعة منها. انتهى.

وبخصوص ما يسمى بالنفة, فإنها في حكم الدخان, ويحرم تناولها على الصائم, وغيره, لكن الحرمة أشد بالنسبة للصائم, وراجعي في ذلك، الفتوى رقم: 112528

وتناول النفة، مبطل للصيام، كما ذكرنا في الفتوى رقم: 79399, وما ذكره أبوك من المسوغات، أمر باطل، لا يلتفت إليه, كما أن فتوى إباحة تناول النفة، تفاديا للسب, والشتم، غير واضحة لنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني