الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاستغفار والترحم على أهل الفترة... رؤية شرعية

السؤال

هل يجوز الترحم على شخص من أهل الفترة كحاتم الطائي، أو الشاعر زهير بن أبي سلمى؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن طلب الرحمة للكفار محرمٌ بالنص والإجماع، كما قال تعالى: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ {التوبة:113}.

وراجع الفتوى رقم: 285976.

فمن مات على دينٍ غير الإسلام، فلا يجوز الترحم عليه ولا الاستغفار له، لأن ظاهره الكفر في الدنيا، ولا نعلم مآل المعين في الآخرة، فنحن مخاطبون ومكلفون في أحكام الدنيا بالعمل بالظاهر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس لما أُسِر في بدر وادّعى أنه كان مسلماً: الله أعلم بشأنك، إن يك ما تدعي حقاً، فالله يجزيك بذلك، وأما ظاهر أمرك، فقد كان علينا. رواه الإمام أحمد، وبنحوه الحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.

ويقول الشيخ حمد بن معمر: من كان من أهل الجاهلية عاملاً بالإسلام تاركاً للشرك فهو مسلم، وأما من كان يعبد الأوثان ومات على ذلك قبل ظهور هذا الدين، فهذا ظاهره الكفر، وإن كان يحتمل أنه لم تقم عليه الحجة الرسالية لجهله وعدم من ينبهه، لأنا نحكم على الظاهر، وأما الحكم على الباطن فذلك إلى الله تعالى، لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً {سورة الإسراء آية: 15}. اهـ.

وقال الدكتور أحمد القُصَيِّر في أطروحته للدكتوراة: الأحاديث المشكلة الواردة في تفسير القرآن الكريم ـ في جواب سؤال: ما معنى نهي الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم عن الاستغفار لأمه؟ قال: جوابه: أنَّ الله تعالى لم يأذن لنبيه صلى الله عليه وسلم بالاستغفار لأمه، لأنها ماتت في الفترة، ومصير أهل الفترة مجهول، فلا يُدْرَى ما يصيرون إليه، وقد شاء سبحانه أنْ يكون مصير أمه صلى الله عليه وسلم مخفياً عنه لِحِكَمٍ يريدها سبحانه، وقد يكون من هذه الحِكَم أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لو أُذِنَ له بالاستغفار لأُمِّهِ لفُهِمَ منه جواز الاستغفار لأهل الفترة عموماً، ومعلوم أنَّ من أهل الفترة من قضى الله تعالى بأنهم لا يُجيبون، ولا يجوز الاستغفار لمن قضى الله تعالى بأنهم لا يجيبون، لأن حكم هؤلاء هو حكم أهل الكفر والشرك، والذين منع الله من الاستغفار لهم، كما أن الاستغفار فرع تصوير الذنب، وذلك في أوان التكليف ولا يُعقل ذلك فيمن لم تبلغه الدعوة، فلا حاجة إلى الاستغفار لهم، فيمكن أنه ما شرع الاستغفار إلا لأهل الدعوة، لا لغيرهم، وإن كانوا ناجين. اهـ.
وهذا الكلام الأخير بين القوسين عزاه لحاشية السندي على سنن النسائي، ولمزيد من الفائدة انظر الفتوى رقم: 200527.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني