الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طاعة الوالدين في المسائل الخلافية

السؤال

ما ضابط حديث: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق" عندما يتعلق الأمر بالوالدين في المسائل الخلافية؟ فمثلًا: إذا طلب مني والدي أن أقوم بنسخ بعض الأناشيد التي تحتوي على دف على شريط ليستمع لها، وأنا أرى حرمة سماع الدف، فهل أقوم بالنسخ له في هذه الحالة أم لا؟ وما القاعدة التي يمكن الاستناد عليها في مثل هذه المسائل؟ وكذلك بالنسبة للأمور المباحة: هل تجب طاعتهما فيها مطلقًا، كالأكل من طعام معين أنا لا أحبه، أو الزواج من فتاة لا أريدها، أو طلاقي لها؟ وهل هناك قواعد وضوابط أستند عليها تجمع هذه المسائل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فأما طاعة الوالدين في الأمور المباحة، فضابطها أنه يجب ذلك فيما فيه منفعة لهما، ولا ضرر فيه على الولد، وراجع للفائدة الفتوى رقم: 76303.

وقريب من هذا طاعتهما في الأمور المشتبهة، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 145829.

وأما المسائل الخلافية التي يترجح فيها عند الولد خلاف ما عليه الوالدان، فهذا محل خلاف ونظر، قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: قاعدة فيمن تجب طاعته، ومن تجوز طاعته، ومن لا تجوز طاعته، لا طاعة لأحد المخلوقين إلا لمن أذن الله في طاعته، كالرسل، والعلماء، والأئمة، والقضاة، والولاة، والآباء، والأمهات، والسادات، والأزواج، ولو أمر الإمام أو الحاكم إنسانًا بما يعتقد الآمر حله والمأمور تحريمه، فهل له فعله نظرًا إلى رأي الآمر؟ أو يمتنع نظرًا إلى رأي المأمور؟ فيه خلاف. اهـ.

والذي يظهر لنا أن من اعتقد تحريم شيء أو وجوبه، فلا يجوز له طاعة من تلزمه طاعته من الناس، كالوالدين، في فعل الحرام وترك الواجب الذي يعتقده، حتى ولو كان في ذلك خلاف بين العلماء، بخلاف ما كان خارجًا عن دائرة الواجب والمحرم فألزمه والداه أو أحدهما بفعله أو تركه، فالراجح أنه يلزمه طاعته في حدود قدرته، وقد نص الفقهاء على أن المسائل الخلافية تجب طاعة من تجب طاعته -من والد، وزوج- إذا أمر بأحد الوجهين فيها، ولم يكن أمره موجبًا للوقوع فيما ترجح تحريمه، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 130355.

وقال الشيخ ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح: إذا كان الولد يرى أن المرأة لا يحل لها أن تزور المقبرة، وطلبت أمه أن تزور، فلا يذهب بها؛ لأن الله قال: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا {لقمان:15} فيُقاس عليه كل معصية طلبها الأب أو الأم، فلا يطاعا: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. اهـ.

وعليه؛ فلو اعتقد الابن حرمة ما طلبه منه الوالدان، فلا يطعهما، لكن ليتلطف في الرد، مع إظهار المحبة، وخفض الجناح، وأنه لم يرفض رغبة عن أمرهما وبرهما، بل لكونه يعتقد حرمة ما طلباه، كما سبق التنبيه عليه في الفتوى رقم: 285715.

وراجع لمزيد الفائدة في خصوص مسألة طاعة الوالدين في الزواج أو عدم الزواج من امرأة بعينها الفتوى رقم: 76476.

وفي مسألة الطلاق الفتوى رقم: 70223.

وفي طاعتهما في أمور اللبس والأكل ونحو ذلك الفتوى رقم: 257134.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني