الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العمل بغلبة الظن في حق من شك في عدد أشواط الطواف أو السعي

السؤال

نفع الله بكم، وسددكم. أحد من أعرفهم يعمل بالسعودية، وقبل زواجه حج مرة، واعتمر مرة، ثم لما عاد إلى بلده عقد زواجه، وبعد سنة من زواجه أخذ زوجته معه إلى السعودية، وحجا معًا مرة، واعتمرا أكثر من مرة، ويقول: إنه ذات مرة كان يسعى بين الصفا والمروة، ونسي في أي شوط هو ـ وليس مجرد شك في العدد، وإنما خالجه النسيان في أي شوط هو ـ فتعامل مع هذا النسيان بأن حاول واجتهد أن يتذكر في أي شوط هو، وكان حينها يسعى من المروة إلى الصفا، فاطمئن إلى معرفة رقم الشوط الذي هو فيه وأتم عليه سعيه، وأنهى سعيه وهو يعتقد كمال عبادته، وتمامها دون شك في صحتها، والآن في هذه الأيام وبعد مرور أكثر من سنة جاء هذا الأمر على خاطره، وأصبح يشك في صحة هذا السعي، ويلتبس عليه الأمر، ويتهم نفسه في أنه ربما قصر في التعامل مع هذا النسيان الذي جاءه وهو يسعى، ولعل السعي لم يكتمل، بل زاد الأمر عليه في أنه لا يدري في أي مرة من مرات الحج أو العمرة حصل هذا معه، وهل حصل هذا قبل عقد زواجه أم بعده؟ وفي هذه الحالة إن كان قبل عقد زواجه فسعيه لم يصح، ومن ثم؛ فزواجه غير صحيح؛ لأنه بهذا الفعل لا يزال محرمًا أثناء عقد زواجه، فهو في دوامات من التفكير، فتارة يقول لنفسه: إنه اجتهد في الوصول إلى الحق عندما نسي، وتارة يقول: بل ربما اجتهادي كان غير صواب، وأخطأت في معرفة الشوط الذي أنا فيه، وربما قصرت، فماذا يصنع؟ وما العمل؟ وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل أن من شك في أثناء السعي, أو الطواف في عدد الأشواط، فإنه يبني على الأقل، وهو المتيقن، ويأتي بالمشكوك فيه؛ لتبرأ ذمته بيقين، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 179319.

لكن بعض المحققين من أهل العلم -مثل شيخ الإسلام ابن تيمية- قد رجح العمل بغلبة الظن في حق من شك في عدد الأشواط في السعي, أو الطواف, ونحوهما، جاء في الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية: ومن شك في عدد الركعات بنى على غالب ظنه، وهو رواية عن أحمد، وهو مذهب علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وغيرهما، وعلى هذا عامة أمور الشرع، ويقال مثله في الطواف، والسعي، ورمي الجمار، وغير ذلك، وأظهر الأقوال. انتهى.

كما ذكرنا في الفتوى رقم: 127248، ترجيح الشيخ ابن عثيمين العمل بعمل غلبة الظن عند الشك في عدد أشواط الطواف.

وبناء على ما سبق؛ فإن كان الشخص المذكور قد ترجح عنده معرفة رقم الشوط الذي هو فيه، وأكمل سعيه بناء على ذلك, فإن سعيه صحيح بناء على هذا القول الذي رجحه بعض المحققين تفاديًا للشكوك الكثيرة التي تعتريه, ومن ثم؛ فلا يلزمه شيء.

وبخصوص النكاح, فإنه يحتمل أن يكون قد وقع عقده قبل أداء الحج, أو العمرة المشكوك في صحة سعيها.

وبناء على ذلك؛ فإنه نكاح صحيح, ولا يفسخ؛ لأن الأصل صحة النكاح مع توفر أركانه, فلا يحكم ببطلانه إلا بيقين, جاء في كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه الشافعي: والأصل صحة النكاح وسلامته. انتهى. وفي الكافي الحنبلي: لأن الأصل الحل، وصحة النكاح. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني