الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

رفع درجة القريب الناقص العمل بكامل العمل في الجنة

السؤال

لدي سؤال أرجو الإجابة عليه، يقول الله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ).
سؤالي هو: إذا كانت والدة زوجتي امرأة صالحة، وماتت على ذلك، ورزقها الله درجة عالية في الجنة.
فهل بمقتضى هذه الآية، فإن زوجتي إذا دخلت الجنة، فسوف ترتفع إلى درجة والدتها، وبالتالي إذا دخلت أنا الجنة، فسوف أرتفع أنا وأولادي إلى درجة زوجتي (التي لحقت بأمها في درجتها) أم ماذا؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه من تمام نعيم أهل الجنة، أن الواحد منهم يلحق به أهله, وأقاربه المؤمنون خاصة, ولو كانوا في درجة أقل من درجته في الجنة إكرامًا له, وزيادة في سروره.

قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسير: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ {الطور:21}.

قال: يخبر تعالى عن فضله وكرمه، وامتنانه، ولطفه بخلقه وإحسانه، أن المؤمنين إذا اتبعتهم ذرياتهم بالإيمان، يلحقهم بآبائهم في المنزلة، وإن لم يبلغوا عملهم؛ لتقر أعين الآباء بالأبناء عندهم في منازلهم، فيجمع بينهم على أحسن الوجوه، بأن يرفع الناقص العمل، بكامل العمل، ولا ينقص ذلك من عمله ومنزلته؛ للتساوي بينه وبين ذاك. انتهى.

ونقل ابن القيم في حادي الأرواح عن ابن عباس حديثاً موقوفاً، ومرفوعاً قال: إذا دخل الرجل الجنة، سأل عن أبويه، وزوجته، وولده، فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك أو عملك، فيقول: يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بالإلحاق بهم، ثم تلا ابن عباس: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ. اهـ.

وجاء في تفسير القرطبي: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: يَدْخُلُ الرَّجُلُ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَيْنَ أَبِي, وَجَدِّي, وَأُمِّي؟ وَأَيْنَ وَلَدِي, وَوَلَدُ وَلَدِي؟ وَأَيْنَ زَوْجَاتِي؟ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَعْمَلُوا كَعَمَلِكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ كُنْتُ أَعْمَلُ لِي, وَلَهُمْ، فَيُقَالُ: أَدْخِلُوهُمُ الْجَنَّةَ، ثُمَّ تَلَا: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ـ إِلَى قَوْلِهِ: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ـ وَيَقْرُبُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: والَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ {الطور: 21}. انتهى.

وقال الشوكاني في فتح القدير: وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ ـ يَشْمَلُ الْآبَاءَ, وَالْأُمَّهَاتِ: وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ـ مَعْطُوفٌ عَلَى الضَّمِيرِ فِي يَدْخُلُونَ، وَجَازَ ذَلِكَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، أَيْ: وَيَدْخُلُهَا أَزْوَاجُهُمْ وَذُرِّيَّاتُهُمْ، وَذِكْرُ الصَّلَاحِ دَلِيلٌ على ألا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْ قَرَابَاتِ أُولَئِكَ، وَلَا يَنْفَعُ مُجَرَّدُ كَوْنِهِ مِنَ الْآبَاءِ, أَوِ الْأَزْوَاجِ, أَوِ الذَّرِّيَّةِ بِدُونِ صَلَاحٍ. انتهى.
وبناء على ما سبق, فإن أم زوجتك إذا كانت من أهل الصلاح, ورزقها الله تعالى درجة عالية في الجنة, فلا مانع من أن تلحق بها ابنتها إذا كانت من أهل الجنة, وفي درجة أقل من أمها, كما أنه من الممكن أن تلحق أنت بدرجة زوجتك في الجنة إذا دخلتها, وكنت في درجة أقل من ذلك.

مع التنبيه على أن المسلم ينبغي له أن يسأل الله تعالى دائما الفردوس الذي هو أعلى درجات الجنة, كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح, وراجع الفتوى رقم:319123.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني