الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم قول الداعي: اللهم إنك تعطيني ما بصالحي والأفضل لي فلك الحمد

السؤال

أغلب ما دعوت به كان مستجابا، وكان عاجلا، ولكنني في بعض الأحيان أريد أن أدعو بحاجة فأخاف أن يكون طلبي دنيويا ولا يعود فضله على ديني وعاقبة أمري، فأستحيي أن أطلبه وأكتفي بقول: اللهم إنك تعطيني ما بصالحي والأفضل لي، فلك الحمد، فهل هذا صحيح؟ أم يجب أن أدعو وأترك الأمر للقضاء الرباني إن كان فيه الخير لي؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن ما فعلته أمر صحيح، فإن تفويض الأمر إلى الله فيما لم تعلم خيريته أمر مشروع، وإذا يسر الله لك حصول ما تشك في عود فضله على دينك أو صرفه عنك، فأكثر من الدعاء المأثور الذي رواه الترمذي: اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله قوة فيما تحب، وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب.

قال الحافظ ابن رجب: الحاجات التي يطلبها العبد من اللَّه عز وجل نوعان:
أحدهما: ما علم أنه خير محض، كسؤاله خشيته من اللَّه تعالى وطاعته وتقواه، وسؤاله الجنة، والاستعاذة به من النار فهذا يُطلَب من اللَّه تعالى بغير تردد، ولا تعليق بالعلم بالمصلحة، لأنّه خير محض، ومصلحة خالصة، فلا وجه لتعليقه بشرط وهو معلوم الحصول...
النوع الثاني: ما لا يعلم هل هو خير للعبد أم لا، كالموت والحياة، والغنى والفقر، والولد والأهل، وكسائر حوائج الدُّنْيَا التي تُجْهَل عواقبها، فهذه لا ينبغي أن يسأل الله منها إلا ما يعلم فيه الخيرة للعبد، فإن العبد جاهل بعواقب الأمور، وهو مع هذا عاجز عن تحصيل مصالحه ودفع مضاره، فيتعين عليه أن يسأل حوائجه من هو عالم قادر، ولهذا شرعت الاستخارة في الأمور الدنيوية كلها، وشُرع أن يقول الداعي في استخارته: اللَّهُمَّ أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيم، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ ـ ويسميه باسمه ـ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي ودُنْيَايَ... انتهى.

وقال ابن مفلح في الآداب: الذي عليه الجمهور أن المتوكل والداعي يحصل له من جلب المنفعة ودفع المضرة ما لا يحصل لغيره, والقرآن يدل على ذلك, ثم هو سبب عند الأكثرين وعلامة وأمارة عند من ينفي الأسباب ويقول إن الله يفعل عندها لا بها ويقولون ذلك في جميع العبادات، وذكر كلاما كثيرا, احتج بالآيات المشهورة... وقال في شرح مسلم قال العلماء ـ رحمهم الله ـ استعاذته صلى الله عليه وسلم من هذه الأشياء لتكمل صفاته في كل أحواله, وشرعه أيضا تعليما لأمته، وفي هذه الأحاديث دليل لاستحباب الدعاء والاستعاذة من هذه الأشياء المذكورة وما في معناها, وهذا هو الصحيح والذي أجمع عليه العلماء وأهل الفتاوى في الأمصار في كل الأعصار، وذهب طائفة من الزهاد وأهل المعارف إلى أن ترك الدعاء أفضل استسلاما للقضاء، وقال آخرون منهم إن دعا للمسلمين فحسن, وإن دعا لنفسه فالأولى تركه وقال آخرون منهم إن وجد في نفسه باعثا للدعاء استحب، وإلا فلا, ودليل الفقهاء ظواهر القرآن والسنة في الأمر بالدعاء وفعله والإخبار عن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين بفعله، وقال الشيخ تقي الدين في مواضع: أعمال القلوب كمحبة الله ورسوله والتوكل على الله وإخلاص الدين له والشكر له والصبر على حكمه والخوف منه والرجاء له وما يتبع ذلك واجب على جميع الخلق مأمورون باتفاق أئمة الدين لا يكون تركها محمودا في حال أحد وإن ارتقى مقامه والذي ظن أن التوكل من المقامات العامة ظن أن التوكل لا يطلب به إلا حظوظ الدنيا وهو غلط, بل التوكل في الأمور الدينية أعظم. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني