الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يقول: إنه لا يعيش إلا من أجل الشخص الذي يحبه

السؤال

منذ 9 سنين، قبل التوبة، كنت أردد أغنية، فيها نص معناه أني لا أعيش من أجل أحد سوى الشخص المحبوب، وكنت أقولها من قلبي بأني أعيش للشخص المحبوب، فأنا لم أكن أعرف، أو لم يخطر ببالي أن حياتنا نعيشها لله، بسبب بعدي عنه ذلك الوقت، وجهلي بالدين.
هل يعتبر ذلك كفرا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فما دمت تبت مما سبق، فيتعين عليك الإعراض عن الاسترسال في التفكير في شأن الماضي؛ فإن ذلك مما يزيد الوسوسة عندك. فالتائب من الذنب، كمن لا ذنب له، كما في الحديث.

وأما هذا الكلام، فهو من المبالغة، والغلو في المحبة، ولا شك أنه باطل؛ لأن الإنسان خلق للعبادة، لا ليعيش من أجل فلان، فقد قال الله تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}، ولكنه لا يصل لدرجة الكفر، إلا إذا كان عند الإنسان محبوب يحبه مثل حب الله، أو أشد، كما قال الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ {البقرة:165}.

وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في الجواب الكافي: وهوـ أي العشق- تارة يكون كفراً لمن اتخذ معشوقه ندا يحبه كما يحب الله، فكيف إذا كانت محبته أعظم من محبة الله في قلبه؟ فهذا عشق لا يغفر لصاحبه، فإنه من أعظم الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإنما يغفر بالتوبة الماحية ما دون ذلك، وعلامة هذا العشق الشركي الكفري، أن يقدم العاشق رضاء معشوقه، على رضاء ربه، وإذا تعارض عنده حق معشوقه، وحق ربه وطاعته، قدم حق معشوقه على حق ربه، وآثر رضاه على رضاه، وبذل لمعشوقه أنفس ما يقدر عليه، وبذل لربه ـ إن بذل ـ أردى ما عنده، واستفرغ وسعه في مرضات معشوقه وطاعته، والتقرب إليه، وجعل لربه ـ إن أطاعه ـ الفضلة التي تفضل عن معشوقه من ساعاته، فتأمل حال أكثر عشاق الصور، هل تجدها مطابقة لذلك؟ ثم ضع حالهم في كفة، وتوحيدهم في كفة، وإيمانهم في كفة، ثم زن وزنا يرضي الله ورسوله، ويطابق العدل، وربما صرح العاشق منهم بأن وصل معشوقه، أحب إليه من توحيد ربه. انتهى.
وقد بينا المزيد في حكم العشق، وكيفية علاجه، وذلك في الفتوى رقم: 8424.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني