الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علاج الفتور في الحفظ والعبادة

السؤال

لقد اقتربت من حفظ القرآن -والحمد لله- لكن ذلك كان صعباً للغاية، وكانت مسيرتي في ذلك شاقة جداً، ولم يكن ذلك لكوني أجد صعوبة في الحفظ أو لأني بطيء في الحفظ، ولكن ذلك كان بسبب الفتور والضعف، حيث تعلو همتي في ثلاثة أو أربعة أيام، فأحفظ فيها جزءا من كتاب الله، ثم يصيبني الفتور والكسل والعجز لمدة شهر أو نصف شهر تقريباً، فأعجز فيها عن أي إنجاز، وتمر أيام حتى دون أن أقرأ آية من كتاب الله، فأصاب بحزن وغم وكرب عظيم، ويؤثر هذا الإحباط والحزن على كل شيء في حياتي، وفي هذه المدة التي أصاب فيها بالفتور والعجز والكسل والإحباط، ولا أحفظ فيها، تكون عكس أيام الهمة العالية تماماً، حيث إذا أردت، أو فكرت في أن أقوم لكي أحفظ صفحتين من كتاب الله، أو أراجع بضع صفحات، فإني أشعر بضيق الصدر، وأجد صداً شديداً من نفسي عن ذلك ورغبة عنه، ويشق عليّ الحفظ، وأستصعبه كثيراً حيث إن نفسي من الداخل كارهة لذلك، لا تريد أن تحفظ أبداً، وكما قلت سابقاً يؤثر ذلك على كل أمور حياتي، حتى إني لا أجد شيئاً من الخشوع في صلاتي، ولا ألتحق بصلاة الجماعة إلا في آخر الصفوف، وتتحول دراستي، وكل شيء في حياتي إلى الأسوأ، وفي هذه الحالة أمضي أغلب وقتي على هاتفي سواء باللعب عليه، أو إضاعة الوقت على مواقع التواصل الاجتماعي.
أما في أيام الهمة العالية، فيكون الأمر بعكس ذلك تماماً في كل النواحي، وأجد رغبة وحباً في نفسي لحفظ القرآن، وأنجز جيداً والحمد لله، وكل شيء يتحول للأفضل في حياتي، وتكون مدة الفتور والعجز - الانتكاسة- مرتبطة بفترة الهمة وإنجازاتي فيها، حيث إن طالت فترة الهمة العالية وأنجزت فيها الكثير، فإن فترة الفتور والكسل تكون طويلة وصعبة جداً، والعكس صحيح، وعلى الرغم من أني أضغط على نفسي وأرهقها قليلاً في فترة الهمة العالية، إلا أني لا أظن أن هذا الضغط هو السبب في فتوري، وذلك لأني أكون في غاية السعادة والفرح عند حصوله، وأنجز بسببه الكثير، وينشرح صدري وأفرح كثيراً. فقد استغرق مني حفظ القرآن قرابة ثلاث سنوات، مع بعض المراجعة لكيلا أنساه، في حين لو قدر لي الالتزام وعلوّ الهمة، لحفظت القرآن في ثلاثة أشهر، بالإضافة إلى مثلها لتمكينه. ولذلك فإني أندم وأتحسر على وقتي الذي فرطت فيه، وأضعته في أمور فارغة، حتى إن ثقتي في نفسي قد أصبحت على المحك، وأنا حالياً أخاف من أن تستمر هذه الحالة في المستقبل، وما يرافقها من ألم وتحسر.
أفيدوني بحلٍ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن ما تجده من النشاط في بعض الأحيان، وإقبال النفس على الدعاء والعبادة، وأحيانا من التكاسل والفتور، شيء طبيعي ويعتري أكثر الناس، فالنفس البشرية بطبيعتها لها إقبال وإدبار، فتارة تكون في سُموٍ وإشراق، فيكون عند العبد رغبة في العبادة والدعاء والإقبال على الطاعة، وأحيانًا يقل هذا الإشراق، فيتكاسل ويضعف نشاطه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن لكل عمل شِرّة ـ أي حرصا على الشيء، ونشاطا ورغبة في الخير أو الشر ـ ولكل شِرّة فترة، فمن كانت شرته إلى سنتي، فقد أفلح، ومن كانت فترته إلى غير ذلك، فقد هلك. رواه الإمام أحمد وغيره وصححه الأرناؤوط والألباني.

وقال ابن القيم رحمه الله: تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد، ولم تخرجه من فرض، ولم تدخله في محرم، رجي له أن يعود خيرا مما كان. اهـ

وقال علي رضي الله عنه: إن النفس لها إقبال وإدبار، فإذا أقبلت فخذها بالعزيمة والعبادة، وإذا أدبرت فأقصرها على الفرائض والواجبات. اهـ

ولذلك ننصحك بالتوسط حال إقبال النفس وإدبارها، وتجنب طرفي الإفراط والتفريط، كما نحثك على علو الهمة في الحفظ، والصبر على التعلم، ومن أهم ما يعينك على مواصلة الحفظ والاستزادة من العلم، مجالسة الصالحين، وصحبة الطلبة المجتهدين الذين رزقهم الله علو الهمة في طلب العلم، فإن صحبتهم نافعة جدا، والصاحب ساحب، والطباع سراقة.

ومما يرفع همتك كذلك قراءة سير العلماء والأئمة المتقدمين، الذين علت همتهم واستخدمهم الله في حفظ دينه، وتبليغ شريعته، فكانت أقدامهم في الثرى، وهممهم في الثريا، ومن الكتب التي اختصت بذكر أخبارهم كتاب نزهة الفضلاء في اختصار سير أعلام النبلاء للدكتور محمد حسن عقيل موسى، وكتاب صفحات من صبر العلماء على شدائد العلم والتحصيل للشيخ عبد الفتاح أبو غدة، وكتاب: علو الهمة للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم.

ويمكن أن تسمع القرآن بأصوات القراء المجيدين بتدبر عندما تتعب من التلاوة، وتحاول محاكاتهم، ولو تيسر لك الذهاب لإحدى المدارس الدينية الموثوق بها، والتفرغ للدارسة بها فترة حتى تتقن الحفظ، وتأخذ إجازة في القرآن، فهو طيب.
وسبق أن بينا أسباب الفتور وكيفية علاجه، في جملة من الفتاوى، وانظر الفتاوى التالية أرقامها: 25854، 10800، 1208، 5450، 33860، 136575.327235

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني