الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم أخذ قرض بالربا لبناء مسكن

السؤال

أنا أسكن مع عائلتي، ولدي قطعة أرض، فأردت بناءها، لكن ليس لدي المال الكافي، فارتأيت أن أطلب قرضا من البنك، ولكن جميع البنوك في بلدي ربوية. فهل أطلب هذا القرض؟ أم أتوقف عن طلبه؟ وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن التعامل بالربا من كبائر الذنوب الموبقات, وهو موجب لحرب الله جل وعلا، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ {البقرة:279،278}، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات»، قالوا: يا رسول الله وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات». متفق عليه.
والمتعامل بالربا ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ، وقال: هم سواء.
ومن تعامل بالربا ليكثر ماله فإن مآله إلى الإقلال، فعن ابن مسعود، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " الربا وإن كثر، فإن عاقبته تصير إلى قُلٍّ " أخرجه أحمد والحاكم وقال: هذا حديث صحيح الإسناد. اهـ. ولم يتعقبه الذهبي في التلخيص.

فلا يجوز للمسلم أخذ قرض بالربا لبناء مسكن أو غير ذلك من الأغراض، إلا عند الضرورة ، وحد الضرورة في الشرع - كما قال الزركشي - : بلوغه حدا إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب، كالمضطر للأكل واللبس بحيث لو بقي جائعا أو عريانا لمات أو تلف منه عضو .اهـ.

وضابط الضرورة بالنسبة للاقتراض بالربا لبناء المسكن: هو ألا يجد مسكناً يؤويه، ويفي بحاجته من السكن بطريق مشروع من سكن بإيجار أو غيره من الطرق المشروعة. وأما إن كان المرء يستطيع تحصيل المسكن بالاستئجار أو نحوه من الطرق المشروعة فلا يجوز له البتة الاقتراض بالربا من أجل بناء مسكن، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 127750.

فنوصيك بالبعد عن الاقتراض بالربا، واعلم أن الله لم يجعل معصيته سببا إلى خير قط - كما قال ابن القيم في روضة المحبين - وثق ثقة تامة بأنك لن تجد فَقْد شيء تركته لله، فما أعرضت عنه ابتغاء رضوان لله فسيعوضك خيرا منه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خيرا منه. أخرجه أحمد، وصححه الألباني.

وراجع للفائدة حول البدائل الشرعية عن القروض الربوية لمن أراد السكن، الفتوى رقم: 132156.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني