الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شروط القائم بالترجيح بين الأدلة الشرعية

السؤال

سمعت شيخا فاضلا، وعالما جليلا، يقول: إن العمل بالراجح واجب، لا راجح.
سؤالي هو: من الذي يرجح بين الأقوال؟ الذي فهمته من كلامه أن من كان من أهل الاجتهاد والترجيح، سواء كان عالما، أو طالب علم متمكنا، يجب عليه أن يعمل بما يراه راجحا في مسائل الخلاف. وليس هذا للعامي، ولا للمبتدئ في العلم، اللذَين يجب عليهما التقليد.
هل هذا صحيح؟
ثم هل يجوز لإمام مسجد، أو واعظ، أو مدرس، أو خطيب، أو مبتدئ في العلم أن يرجح للمسلمين في المسجد ويقول الراجح في هذه المسألة كذا، والرأي الفلاني خطأ؟ ما الضابط في هذا؟
وأخيرا إذا كان الطالب المتمكن يستطيع أن يرجح، هل يرجح لنفسه فقط، أم يدعو العوام إلى ترجيحاته؟
جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالعمل بالراجح من الأدلة في المسائل الفقهية المختلف في حكمها، واجب عند جماهير العلماء.

قال الآمدي -رحمه الله-: وَأَمَّا أَنَّ الْعَمَلَ بِالدَّلِيلِ الرَّاجِحِ وَاجِبٌ، فَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا نُقِلَ وَعُلِمَ مِنْ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ فِي الْوَقَائِعِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى وُجُوبِ تَقْدِيمِ الرَّاجِحِ مِنَ الظَّنَّيْن. الإحكام في أصول الأحكام للآمدي.
والترجيح بين الأدلة يكون للمجتهد، أو طالب العلم الذي عنده أهلية الترجيح، وانظر الفتوى رقم: 253864. أمّا العامي الذي لا يقدر على الترجيح بين الأدلة، فعليه أن يعمل بقول من يثق في علمه ودينه من أهل الفتوى، ولا يلزمه الترجيح بين المفتين، ولا بين أقوالهم، لكن يكفي أن يكون مطمئن النفس إلى صحة الفتوى.

قال ابن قدامة -رحمه الله-: ولهذا لا يحتاج العامّي إلى الترجيح بين المفتين على هذا الوجه، ولا يلزمه العمل بالراجح، بخلاف المجتهد. روضة الناظر وجنة المناظر.

وقال الخطيب البغدادي -رحمه الله- في الفقيه والمتفقه: فإن قال قائل: فكيف في المستفتي من العامة إذا أفتاه الرجلان واختلفا، فهل له التقليد؟ قيل: إن كان العامي يتسع عقله، ويكمل فهمه إذا عقِّل أن يعقل، وإذا فُهِّم أن يفهم، فعليه أن يسأل المختلفين عن مذاهبهم، وعن حججهم، فيأخذ بأرجحها عنده، فإن كان له عقل يقصر عن هذا، وفهمه لا يكمل له، وسعه التقليد لأفضلهما عنده، وقيل: يأخذ بقول من شاء من المفتين, وهو القول الصحيح؛ لأنه ليس من أهل الاجتهاد، وإنما عليه أن يرجع إلى قول عالم ثقة, وقد فعل ذلك, فوجب أن يكفيه. انتهى.
وعليه؛ فإن كان إمام المسجد، أو الواعظ، أو غيره، مجتهداً، أو قادراً على الترجيح في بعض المسائل، فله أن يرجّح، ويبين ترجيحه للناس، لكن ليس له أن يحمل غيره على ترجيحه، بل ينبغي أن يذكر الخلاف في المسألة، إلا إذا رجحت مصلحة الاقتصار على بيان القول الراجح، وراجع الفتوى رقم: 139640، ولمزيد من الفائدة، يمكن مراجعة الفتوى رقم: 331897.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني