الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موانع التوبة والحرمان منها

السؤال

هل يمكن أن يغضب الله على شخص ويحرمه التوبة مهما فعل العبد؟ وهل ينطبق مثل الذي آتاه الله الآيات فانسلخ منها على الذي يعلم العلم وهداه الله، ولكنه جرى خلف شهواته؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن والاه، أما بعد :

فنعوذ بالله تعالى من غضبه وعقابه، ونسأله العفو والعافية، والله تعالى يفعل ما يشاء، فيمكن أن يغضب على العبد ويضله بسبب ذنوبه، ولا يوفقه للهداية والتوبة، وفي هذا الصنف قال الله تعالى { فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ} النحل: 37 ، قال في أضواء البيان: والمعنى: أن من أضله الله لا يهديه الله. وهي على هذه القراءة فيمن سبقت لهم الشقاوة في علم الله؛ لأن غيرهم قد يكون ضالاً ثم يهديه الله؛ كما هو معروف.... اهــ .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أناس أنهم يُغْضِبُونَ اللهَ تعالى فلا يتوب عليهم أبدا، ففي صحيح مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالْأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقٍ، فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ، فَإِذَا تَصَافُّوا، قَالَتِ الرُّومُ: خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ: لَا، وَاللهِ لَا نُخَلِّي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُثٌ لَا يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا... إلخ الحديث. قال ابن الملك الكرماني الحنفي في شرح المصابيح : "لا يتوب الله عليهم"؛ أي: لا يلهمهم الله التوبة ...اهــ
وهذا يقتضي عدم توفيقهم للتوبة، ولهذا ينبغي للعبد أن يظل على حذر من الذنوب والمعاصي، وليجتهد في البعد عن مساخط الله تعالى .

وأما الذي آتاه اللهُ آياته فانسلخ منها، هل يصدق حاله على من اتبع شهواته، وترك العمل بالعلم؟ فجوابه: نعم، فمن ترك العلم الذي علمه الله إياه، وأخلد إلى الأرض، واتبع الشهوات، فحاله لا شك أنها كحال ذاك الذي قص الله خبره في القرآن.

قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى في تفسير قصته في سورة الأعراف: وهذا الذي آتاه اللّه آياته، يحتمل أن المراد به شخص معين، قد كان منه ما ذكره اللّه، فقص اللّه قصته تنبيها للعباد. ويحتمل أن المراد بذلك أنه اسم جنس، وأنه شامل لكل من آتاه اللّه آياته فانسلخ منها ، وفي هذه الآيات الترغيب في العمل بالعلم، وأن ذلك رفعة من اللّه لصاحبه، وعصمة من الشيطان، والترهيب من عدم العمل به، وأنه نزول إلى أسفل سافلين، وتسليط للشيطان عليه، وفيه أن اتباع الهوى، وإخلاد العبد إلى الشهوات، يكون سببا للخذلان. اهـ

وقال الشيخ أبو بكر الجزائري في أيسر التفاسير : وهذه حال من أعرضوا عن كتاب الله تعالى في هذه الآية، فليتأملها العاقل ... اهـ

والله تعالى أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني