الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حالات العمل مع الرياء

السؤال

هل هذه الأعمال تعتبر رياء:
الأول: رجل رأى في الطريق مسكينًا، ورأى أناسًا يجلسون جوار الطريق، ثم نوى أنه سيتصدق على المسكين؛ ليروا أنه يتصدق.
الثاني: رجل لم ينوِ منذ البداية رؤيتهم أنه يتصدق، ولكن بعد عزمه التصدق، وكانت نيته مخلصة لله -تعالى- وفي منتصف الطريق عند ذهابه للمسكين دخل في قلبه العجب أنهم يرونه يتصدق.
الثالث: مثل الرجل الثاني، ولكنه كان يقاوم الرياء عندما دخل قلبه.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالرياء مشتق من الرؤية، وقد سبق تعريفه في الفتوى رقم: 222163، والفتوى رقم: 10992.

ولذلك؛ فإن من تصدق لأجل أن يرى الناس أنه يتصدق؛ لتكون له مكانة عندهم، أو نحو ذلك من الأغراض الدنيوية، فقد راءى بعمله -نسأل الله السلامة والعافية- قال بعض العلماء: الرِّيَاءُ طَلَبُ الْمَنْزِلَةِ فِي الْقُلُوبِ بِإِظْهَارِ الْعِبَادَاتِ.

وأما من كان مخلصًا في البداية، ثم طرأ عليه الرياء قبل الدخول في العمل، أو في أثنائه؛ فعليه أن يصرف خاطر الرياء عنه، ويمضي لعمله، ويصحح نيته، ولا يترك الصدقة خوفًا من الرياء؛ فإن من مداخل الشيطان أن يلبس على العبد بترك العمل الصالح خشية الوقوع في الرياء.

واختلف في مسألة الاسترسال معه، ورجح الحافظ ابن رجب في جامع العلوم والحكم أن العمل لا يحبط في هذه الصورة، وأنه يجازى بنيته الأولى؛ فقال: وَإِنِ اسْتَرْسَلَ مَعَهُ، فَهَلْ يُحْبَطُ بِهِ عَمَلُهُ أَمْ لَا يَضُرُّهُ ذَلِكَ، وَيُجَازَى عَلَى أَصْلِ نِيَّتِهِ؟ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ قَدْ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ، وَرَجَّحَا أَنَّ عَمَلَهُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَأَنَّهُ يُجَازَى بِنِيَّتِهِ الْأُولَى، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَغَيْرِهِ. اهـ. وانظر الفتوى رقم: 294049.

وأما المخلص الذي طرأ عليه الرياء، وقاومه، ومضى في عمله بإخلاص، فعمله صحيح -إن شاء الله تعالى- ولا يضره ما خطر بباله بغير خلاف، كما هو موضح في الفتوى المشار إليها.

هذا، وننبه إلى خطر الرياء، ووجوب الحذر منه؛ فقد روى الإمام أحمد في المسند، وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا هَذَا الشِّرْكَ، فَإِنَّهُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ، فَقَالَ له مَنْ شَاءَ أن يَقُولُ : وَكَيْفَ نَتَّقِيهِ، وَهُوَ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: قُولُوا: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نُشْرِكَ بِكَ شَيْئًا نَعْلَمُهُ، وَنَسْتَغْفِرُكَ لِمَا لاَ نَعْلَم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني