الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاستشفاء من المرض البدني بجميع آيات القرآن، أم بآيات مخصوصة

السؤال

قال تعالى: وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة. دلت الآية على أن القرآن كله شفاء من الأمراض القلبية، والشبهات، ولله الحمد.
السؤال: ما يخص الشفاء من الأمراض البدنية: هل القرآن كله شفاء لها، أم إن هناك آيات معينة للشفاء، حيث إني قرأت أن العلماء اختلفوا في هذا الجانب في هل من بيانية أم تبعيضية؟
أتمنى أن أجد إجابة وافية، ومشروحة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا نعلم أحدا من أهل العلم نفى عن شيء من آيات القرآن أنها شفاء هكذا بإطلاق، وإنما عنى من قال من أهل العلم: أن {من} في قوله تعالى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ [الإسراء: 82] تبعيضية، عنوا أحد أمرين:
ـ الأول: أن القرآن لما كان نزوله منجما مفرَّقا، كان كل بعض ينزل منه شفاء.

قال الكرماني في (غرائب التفسير وعجائب التأويل): قيل: {من} للتبعيض، وحسن ذلك؛ لأنه نزل نجماً نجماً ... وقيل: هو كقوله: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى)، وكل أبعاضه مقام إبراهيم، وكذلك جميع أبعاض القرآن شَفاء. اهـ.

وقال ابن باديس في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير: {من} لابتداء الغاية، أو للتبعيض؛ لأنه نزل مبعضاً، فكل بعض نزل منه شفاء ورحمة. اهـ.

ـ والثاني: أن هذا التبعيض خاص بشفاء البدن، وأما شفاء القلوب والصدور، فهو عام في جميع آيات القرآن.

قال العكبري في (التبيان في إعراب القرآن): «من» لبيان الجنس، أي كله هدى من الضلال. وقيل: هي للتبعيض، أي منه ما يشفي من المرض. اهـ.
وقال البيضاوي في (أنوار التنزيل): و {مِن} للبيان؛ فإن كله كذلك. وقيل: إنه للتبعيض، والمعنى أن منه ما يشفي من المرض؛ كالفاتحة، وآيات الشفاء. اهـ.
وقال ابن عجيبة في (البحر المديد): {من} للبيان .. وقيل: للتبعيض، والمعنى: أن منه ما يشفي من المرض الحسي؛ كالفاتحة، وآية الشفاء، ومن المرض المعنوي، كآيات كثيرة. اهـ.
وقال ابن عادل الحنبلي في (اللباب في علوم الكتاب): في «من» هذه ثلاثة أوجه:

أحدها: أنها لبيان الجنس ...

الثاني: أنها للتبعيض، وأنكره الحوفي؛ قال: «لأنه يلزم ألا يكون بعضه شفاء» وأجيب عنه: بأن إنزاله إنما هو مبعض، وهذا الجواب ليس بظاهر، وأجاب أبو البقاء بأن منه ما يشفي من المرض. اهـ.
وذكر نحو ذلك الخطيب الشربيني في (السراج المنير) وزاد: فيكون التبعيض بالنسبة للأمراض الجسمانية، وإلا فهو كله شفاء للأبدان وللقلوب من الاعتقادات وغيرها. اهـ.
وعلى هذا المحمل الثاني، يكون الاستشفاء بالقرآن من أدواء البدن متوجها لآيات مخصوصة، وينبغي أن يعتمد في ذلك على نصوص السنة النبوية، فيستفاد منها مثل هذه الآيات، كالسور والآيات التي ورد النص بكونها رقية؛ كالفاتحة، والمعوذات ونحو ذلك.
وأما على المحمل الأول، فهو موافق لقول أكثر المفسرين بأن {من} في الآية لبيان الجنس، فيصح الاستشفاء بكل آيات القرآن، وهذا لا ينفي أن بعض الآيات أنفع في الشفاء من بعض.

جاء في فتاوى اللجنة الدائمة: القرآن الكريم كله هدى وشفاء، قال الله تعالى: {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ}، وقال سبحانه: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}. و (من) في هذه الآية لبيان الجنس، أي: جنس القرآن فيه شفاء ورحمة، وليست (من) للتبعيض. وبناء على ذلك، فإن الاستشفاء مشروع بجميع آيات القرآن، وهذا لا يمنع أن يكون هناك آيات معينة لها فضل وتأثير خاص، كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة. اهـ.
وراجع الفتويين: 314371، 314044.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني