الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

إجبار الشركاء على البيع إذا لم يتراضوا على قسمة

السؤال

وكلني أحد أقربائي في قضية أرض في المحكمة، والقضية تسمى في القانون قضية إزالة شيوع، أي يكون هناك عدد من الشركاء في ملكية الأرض، ويتعذر التفاهم بين الشركاء في قسمة الأرض، أو تصفيتها، فتقوم المحكمة بتفويض خبير يُقيِّم سعر الأرض، وبناء عليه، يجبر جميع الشركاء إجبارا على البيع، وتنتزع ملكية الأرض لصالح موكلي، بعد أن يدفع للمحكمة سعر الأرض، وهي بدورها تعطيه للشركاء كل بحسب حصته، مع التنويه إلى أن حصصهم معلومة كأسهم، لكنها غير معينة. وفي حالتنا القسمة متعذرة، حيث يوجد ما يزيد على مائة شريك حصصهم غير متساوية في أرض لا تتجاوز عشرة دونمات، وحصة موكلي أكبرها فهي أقل من النصف بقليل. طرأت لي عدة إشكالات تتعلق بهذه القضية، حيث إن محاكمنا تتحاكم إلى قوانين وضعية، تختلط فيها الأمور بشكل يصعب على الفرد تتبع ما إذا كانت معاملته جائزة شرعا أم لا؟ وكل ما تقدمت القضية أقول في نفسي: ليتني ما توغلت في هذه المعاملة. فيظهر أن السلامة تأتي للفرد بالإقلال من معاملاته ما استطاع في هكذا ظروف، وكلما فكرت بإسقاط القضية، أجد الأمر صعبا، خاصة مع عدم أهليتنا للفتوى والتمحيص في المعاملات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أولا: ما صحة هذه المعاملة؟ وما أحكامها وهل هي بعيدة عن التهديد والوعيد الوارد في الحديث أن من اغتصب شبرا من أرض، يخسف به لسبع أرضين يوم القيامة. نسأل الله العافية، وبخاصة أن رضى جميع الشركاء عن البيع أمر مستحيل، وإن كان أمر نقض الحكم مفتوحا؟
ثانيا: وجدت أن أحد الشركاء هو وزارة الأوقاف، أي أن أحد المتوفين قام بوقف حصته في الأرض، مع العلم بأنها حصة غير معينة، والأرض غير منتجة، وبعيدة عن العمران في وقتنا هذا، أي أن وزارة الأوقاف لا تنتفع بها، ولا تصل حصتها إلا 300 متر مربع.
فهل نقل الملكية لموكلي فيه مخالفة شرعية، وهو تملك مال الوقف، أم هو جائز لتعذر الانتفاع بمال الوقف؟
يخطر في بالي أن أنصحه باقتطاع جزء من الأرض، ووقفه، بعد انتهاء القضية، للخروج من هذا الإشكال، إنما هل يجب عليه فعل هذا أم يندب؟
أفيدونا بارك الله فيكم.
ثالثا: بعض الشركاء حصتهم غير مجدية، ولكنها شرعا حق ولو كانت شبرا، حيث لا يكفي ثمن حصتهم لأجرة مواصلات الذهاب للمحكمة.
فهل علينا شيء إن لم يأخذ أحد نصيبه وإن قل؟
رابعا: المحكمة تقبض ثمن الأرض بإيداع المبلغ في بنك ربوي، ولا سبيل غير هذا. إن القضية لو كانت لي لما ترددت في إسقاطها والخلاص من آفاتها، وبخاصة الإيداع في البنك الربوي، وهذه التفاصيل لا يمكن معرفتها إلا عند التوغل في المعاملة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
غفر الله لنا ولكم، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرا على تَحَرِّيك للحلال، وخشيتك من الحرام، وهكذا ينبغي أن يكون شأن المسلم الحريص على دينه، والسلامة من حقوق الناس ومظالمهم.

وأما ما ذكرته، فكان الأولى أن تبحث عن أحد أهل العلم حيث أنت لتشافهه بالمسألة؛ ليستفصل منك عما ينبغي الاستفصال عنه، ويعسر ذلك من خلال السؤال عن بعد، لكن للفائدة نجيبك عما سألت عنه إجمالا دون الوقوف عند النقاط التي ذكرتها في سؤلك لتداخلها:

أولا: مسألة بيع العقار على الشركاء لامتناع قسمته، فيه تفصيل وشروط، بيناها في الفتوى رقم: 104153.

وإذا لم توجد محاكم شرعية، فيمكن الرجوع إلى أهل الحل والعقد، وأهل العلم في ذلك. وإن تعذر ذلك، فلا بأس بالتحاكم إلى المحاكم القانونية، لاستخلاص الحق، ودفع الضرر، وإزالة الظلم، وفق ما بيناه في الفتوى رقم: 236581.

وإذا تبين للمرء أن ما وُكِّل فيه يترتب عليه ظلم للغير، وأكل لماله بالباطل، فيجب عليه الكف عن ذلك، وعدم إعانة الآثم على إثمه وظلمه، قال تعالى: وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}.

كون أحد الشركاء وزارة الأوقاف، أو غيرها، لا يمنع رفع الظلم وإزالة الضرر، وقد نص بعض أهل العلم على أن الوقف إذا لم يعد يمكن الانتفاع به، جاز نقله إلى مكان آخر ينتفع به فيه، أو يوضع ثمنه في مثله أو نحوه، وهكذا. ومما ذكره من يقول بجواز وقف المشاع، مع عدم إمكان القسمة، أنه إذا أراد الشركاء البيع، فيباع، ويجعل ثمن حصة الوقف في مثلها.

جاء في شرح مختصر خليل للخرشي: وإن كان مما لا يقبل القسم فهل يصح أم لا؟ قولان مرجحان، وعلى القول بالصحة، يجبر الواقف على البيع إن أراده الشريك، ويجعل الثمن في مثله. اهـ.

وانظر الفتويين: 67220/318190.

ثالثا: لو امتنع بعض الشركاء من أخذ حصته من الثمن، فلا إثم على من طلب القسمة، ودعا إلى الاجبار على البيع، وكون المحكمة ستحفظ حق الشركاء في حساب ربوي حتى يأخذوها، فإن ذلك لا يمنع طلب القسمة، والسعي في إزالة الضرر، ولا إثم في ذلك، وعلى أصحاب الحقوق المبادرة إلى سحب حقوقهم، وعدم تركها لدى البنك الربوي.

هذا خلاصة ما اتضح لنا حول مجمل المسألة، ولا ينبغي الاكتفاء فيها بالسؤل عنها عن بُعد، بل تطرح على أهل العلم مباشرة حيث أنتم، ليطلعوا على حقيقة الأمر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني