الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

عمري 35 سنة. أمي عمرها 60 سنة، وأبي 62، أبي رجل متدين، يصوم ويصلي ويقوم الليل، ولكن المشكلة بأن أمي ذات شخصية عصبية جداً، تسيء معاملة أبي بشكل كبير، وتهينه حتى أمام الناس، وأمام زوجتي، خاصة بعد انقطاع عمله، ورزقه. وخاصة بعد أن أصبحت أنا مسؤولا عن تأمين احتياجاتهم.
حاولت كثيراً نصحها، وتذكيرها بوجوب طاعة الزوج، لكنها تسبني وتقول لي بأني سأغضب عليك في حال ذكرتها مرة أخرى بذلك، ولم أقف معها ضد أبي. وهي ليس لديها شيء ضد أبي، سوى أنه لم يعد قادرا على الإنفاق. تحاربه إذا أراد الأكل، أو إذا أراد النوم أو الخروج. في كل حركة تنتقده.
وتغضب علي لفظياً كثيراً عندما لا أطاوعها، أو عندما أقف ضدها عندما تقوم بشتم أو إهانة أبي.
ماذا يجب علي أن أفعل معها؟ هل يجب علي موافقتها على هذه التصرفات حتى أتفادى غضبها علي؟ على مبدأ قول النبي صلى الله عليه وسلم: أمك ثم أمك، ثم أمك، ثم أبوك؟
أصبحت أتفادى اللقاء بهما، أو زيارتهما حتى لا أسمع هذه الإهانات أمامي، أو تسمع زوجتي أو أولادي طريقة حديثها معه!
والمشكلة بأنه صابر، ولا يرد عليها بأي كلمة، ولا يطلقها؛ لأنه غير قادر على الانتقال والعيش في منزل آخر حتى لا يحملني أعباء مادية أخرى؛ لأنني شخصياً غير قادر على الصرف على ثلاثة بيوت!
أفكر دائماً بمقاطعتها نهائياً حتى تلتزم الأدب والأخلاق معه، على الأقل أمام الناس والغرباء.
أرجو منكم النصح.
وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فلا يجوز لك مطاوعة أمّك وإقرارها على الإساءة لأبيك، وإيذائه بغير حقّ، بل الواجب عليك نهيها عن ذلك، لكن برفق وأدب.

قال ابن مفلح -رحمه الله-: قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى: يَأْمُرُ أَبَوَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَيَنْهَاهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ. وَقَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: إذَا رَأَى أَبَاهُ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، يُعَلِّمُهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَلَا إسَاءَةٍ، وَلَا يُغْلِظُ لَهُ فِي الْكَلَامِ، وَإِلَّا تَرَكَهُ، وَلَيْسَ الْأَبُ كَالْأَجْنَبِيِّ.

ولا يجوز لك هجرها بالكلية، ولكن تستعمل معها الحكمة والمداراة، وتستعين ببعض العقلاء من الأقارب أو غيرهم من الصالحين، ممن تظن أنها تقبل قولهم، لينصحوها.

قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: " ... إلا الوالدين، فالوالدان لهما شأن، فالوالدان لا، لا يهجر الوالدين، بل يزور الوالدين، ويعتني بالوالدين، وينصح الوالدين ولا يهجرهما؛ لأن الله جل وعلا قال في كتابه العظيم في حق الوالدين: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}، أمره أن يصحبهما في الدنيا بالمعروف، وإن جاهداه على الشرك، يدعو الله أن يهديهما بأسبابه؛ لأن حقهما عظيم، وبرهما من أهم الواجبات، فلا يهجرهما، ولكن يتلطف فيهما، وقد اجتهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام مع أبيه مع أنه مشرك، معلن بالشرك، مع ذلك اجتهد إبراهيم في دعوة أبيه عليه الصلاة والسلام، فالمقصود أن الوالدين لهما شأن عظيم، فلا يهجرهما الولد، بل يتلطف بنصيحتهما وتوجيههما للخير، ويستعين على ذلك بمن يتيسر من أخوال أو إخوان أو أعمام، أو.."

وللفائدة، ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني