الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كشف وجه المرأة أمام بعض الأجانب للحرج الشديد

السؤال

أبلغ من العمر 20 سنة، وبعد أن قرأت فتاوى بوجوب ارتداء النقاب، هداني الله وارتديته، ولكن بصعوبة؛ لأني لا أجد من يشجعني على ارتدائه.
وفي يوم من الأيام أتانا والد زميلاتي، وهو رجل محترم جدًّا، فطلب مني والدي القدوم لأسلم عليه، ولكني رفضت أن أسلّم عليه باليد؛ لعلمي بعدم جواز ذلك، فاستغرب والدي، وقال لي: لماذا لا تريدين السلام، فهذا مثل أبيك!؟ وبصراحة وقتها شعرت بالإحراج الشديد؛ لأن والدي أساء فهمي، وظن بأني لا أريد السلام لأني أشك فيه، فلدينا –للأسف- تهاون في مثل هذه الأحكام، وإذا امتنعت أي فتاة من السلام على من هو في عمر أبيها يسيؤون فهمها، ولكن بالرغم من ذلك دخلت وسلمت عن بعد، ولكن ما لم أستطع فعله هو الدخول عليه بالنقاب؛ لأني خشيت سوء فهم والدي لي مرة أخرى، وسوء فهم والد زميلتي لي بأني مثلًا أرتديه لأني أشك في أخلاقه؛ لأنه غلب على الظن أنه جاهل بحكمه؛ لأن بناته وامرأته لا يلبسن النقاب، ولكن ضميري يؤنبني كثيرًا على ما فعلت، مع العلم أني كنت أشعر بإحراج شديد؛ لأني أخشى سوء الظن بي، فحاولت بقدر الإمكان أن أتقي الله، ولكن واجهت صعوبة، وجاءنا عدة مرات أخرى وأنا لا زالت أدخل عليه بدون نقاب، مع العلم أني منكرة في قلبي ما أفعله، وأحاول في كل مرة أن لا أعمل حسابًا لما يظنون بي، ولكن لا أستطيع، وأتوب في كل مرة، فما حكم ما فعلته؟ وهل تفكيري هو مجرد وسوسة من الشيطان.
أنا أعلم أن نزع النقاب لا يجوز، ولكني أريد حكمه في هذه الحالة، فحتى أمي تنظر إليّ باستغراب، لما أفعله مع من هو بعمر أبي، وأنا أعلم أنه واجب مع كل رجل بالغ مهما كان عمره، تعبت كثيرًا منهم، ولا أريد أن أرضيهم على حساب سخط ربي، ولكني أُجبرت؛ لأنهم لا يريدون فهمي، بل يسيؤون فهمي، وأبناء عم والدي يسكنون قربنا، وقد تربينا معهم وهم كأنهم أعمامي، فماذا عليّ فعله إن جاؤونا في المنزل، أو ذهبنا إليهم؟ والله إني أجد صعوبة بالغة في ارتدائه أمامهم، فأنا لا أستطيع التفرقة بينهم وبين أعمامي، وهم بالتأكيد سيستغربون لبسي النقاب أمامهم، ويشكون بأني ارتديه لأني لا أثق فيهم لجهلهم بحكمه أمام أي رجل بالغ من غير المحارم، وأيضًا سينكر عليّ والدي ما سأفعله، والله إني في ضيق ليس فقط لأني لا أجد من يشجعني؛ لأن هذا الأمر أستطيع التغلب عليه لكن المشكلة في جهل من يحيطون بي بهذه الأحكام، وما قد يترتب من سوء فهمهم لي.
أنا أعلم أن الله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، فإذا نزعت النقاب في هذه المواقف فهل أكون عملت بهاتين الآيتين: قال تعالى: لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. قال تعالى: فاتقوا الله ما استطعتم.
أرجو منكم أن تفهموني جيدًا، وتفهموا ما أعانيه ممن هم حولي، وأن تنصحوني. -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فجزاك الله خيرًا على حرصك على طاعة الله، والتمسك بشرعه، ونسأل الله أن يسددك، ويثبتك على الحق، ويشرح صدرك، ويهديك لأرشد أمرك.

واعلمي أنّك ما دمت قد اعتقدت وجوب ستر الوجه، وشرح الله صدرك لهذا الأمر، فالواجب عليك ستر وجهك عن الرجال الأجانب، سواء كانوا من الأقارب -كأبناء عمّ الأب، أم غيرهم-، وسواء كانوا شبابًا أم شيوخًا.

ولا يجوز لك التهاون في هذا الأمر بسبب إساءة الظن بك من قبل بعض الأقارب، فليس هذا عذرًا يجعلك في حكم العاجز عن فعل الواجب، فبوسعك ستر وجهك، وتجاهل ظنونهم وكلامهم، ومن صدق في طلب مرضاة ربّه، أرضى الله عنه الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ، كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ. رواه الترمذي.

وننصحك بالاجتهاد في دعوة أهلك، وأن تبيني لهم أحكام الشرع المتعلقة بالحجاب، والاختلاط، وغيرها، على أن يكون بيانك لهم برفق وأدب، مع الحرص على معاملتهم بخلق طيب، والإحسان إليهم، والدعاء لهم، مع عدم تعجّل النتيجة.

ويمكنك أن تطلعيهم على كلام أهل العلم بهذا الخصوص، وتتحيني الفرص لإسماعهم بعض المواعظ المؤثرة، والدروس النافعة، مع الاستعانة بالله تعالى، والتوكل عليه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني