الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أسباب اتفاق الأمة على الاحتجاج بأحاديث الصحيحين

السؤال

ما حكم التشكيك في صحة كتاب "صحيح البخاري" ومدى مصداقية الإمام البخاري، وغيره من علماء الدين؟
أي أن من يشكك في ذلك يقول: إن البخاري إنسان، يخطئ كباقي البشر، وليس هناك أي سبب يجعلنا نثق بأن الأحاديث الصحيحة المجموعة في كتابه، جميعها صحيحة حقاً. كما هو الحال في صحيح مسلم، وغيره من الكتب. كما يقول إنه لا يوجد من يمكن الاعتماد على كلامه، وكتبه كمصدر موثوق في الدين، بمن في ذلك علماء المسلمين القدماء، حيث إنهم معرضون للوقوع في الخطأ. والسبب في ذلك أن كثيراً مِمَن يدّعون كونهم علماء دين هذه الأيام، يكذبون، وينشرون كل ما يتعارض مع الإسلام، وينسبونه للدين. فما الذي يدعونا للوثوق بمن عاشوا قبلنا، إذا كان في زماننا أمثال هؤلاء الناس، وقد يكون مَن قبلهم في مثل حالهم؟
وما حكم قول الشخص: (أنا أؤمن بالبخاري) بمعنى أنه يصدق ما كتبه، وما جمعه من أحاديث في كتابه؟
جزيتم خيراً، وأثابكم الله على جهودكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فقد سبق لنا الجواب عن مثل هذا، في عدة فتاوى، منها الفتوى رقم: 137308 وما أحيل عليه فيها.
ومنها يعرف مكانة المحدثين عامة، والبخاري ومسلم خاصة، ولذلك تلقت الأمة ما أسنداه في كتابيهما بالقبول.

قال النووي في شرح مسلم: اتفق العلماء على أن أصح الكتب بعد القرآن الكريم الصحيحان: صحيح البخاري، وصحيح مسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول. اهـ.
وهذا الاتفاق يؤكد موثوقية الصحيحين، وحجتهما. وبهذا يعرف أنه لا حرج على من قال: (أنا أؤمن بالبخاري) بالمعنى المذكور في السؤال، فإنه حق وصدق.
وأما مسألة الجهد البشري، وتعرضه للخطأ، فهذا أمر لا ينكر، ولكن الحال هنا يختلف، فالمسألة من ناحية مسألة نقل ورواية، وليست رأيا واجتهادا، ومن ناحية أخرى مسألة اتفاق الأمة على الاحتجاج بأحاديث الصحيحين بعد النقد والتحري والتقصي في البحث على مر العصور، بما نتج عنه أحاديث يسيرة معدودة انتقدت عليهما، وراجعي في ذلك الفتويين: 35370، 134033. وهذا يدل على أن قبول العلماء واحتجاجهم بأحاديث الصحيحين، جاءت بعد سبر وبحث، وتقصٍّ، وتحرٍّ يطمئن له القلب، وتسكن إليه النفس. ولا يصح بحال من الأحوال إهمال هذا الجهد العلمي الممتد عبر القرون، وتخطيه بمجرد التوهم والشبهة!
وأما وجود من ينتسب للعلم في هذه الأيام، وينشر ما يتعارض مع الإسلام وينسبونه للدين! فهذا وإن وجد، لا يعني عدم وجود علماء ربانيين، هداة مهتدين، ينفون عن العلم تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين! وأهل الحديث والأثر المعتنون بالسنة رواية ودراية، هم أسعد الناس بذلك، وأولاهم به. ولهم حظ وافر من قوله تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ [الأعراف: 181].
ثم إننا ننبه على أن هذا المسلك المذكور في السؤال مؤداه: هدم شرائع الدين ومعالم الملة؛ لأن ذلك إنما يعتمد على النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا هدمت الأصول العلمية للرواية، وطعن في ثقات الرواة، لم يبق للنقل سبيل!
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني