الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الجمع بين محبة الله والخوف منه

السؤال

قد يجمع العبد في قلبه بين الخوف والرجاء، ولكن كيف يجمع بين المحبة والخوف في آن واحد؟ فالمحبة أساس العبادة، والخوف مطلوب.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا إشكال البتة في جمع المسلم بين محبة الله والخوف منه في آن واحد، بل هذا هو الواجب على كل مسلم، أن يجمع في عبادته بين الحب والخوف والرجاء، وشاهد هذا في الخلق كثير، فالابن يحب أباه وأمه، ولا يمنع ذلك كونه يخاف منهما، ومن عقوبتهما إذا أساء، والطالب يحب معلمه الذي يحسن إليه، والمرؤوس يحب رئيسه الذي يحسن معاملته، ومع هذا فإن الخوف في هذه الصور كلها لا يمتنع وجوده إن أساء ذلك الطالب أو قصر ذلك المرؤوس، فهو مع حبه لمعلمه أو رئيسه يخشى عقوبته إن أساء، فيحمله هذا على تجويد العمل وإتقانه، فهذا موجود مشاهد في الخلق لا ينكر بحال، فكيف يستغرب الجمع بين محبة الله والخوف منه في قلب المسلم، وأي تناف بينهما أو تعارض حتى يتصور امتناع اجتماعهما.

ثم اعلم أن الواجب على كل مسلم أن يتعبد الله بهذه الأركان الثلاثة، الحب والخوف والرجاء، ولذلك مثال حسن ضربه ابن القيم بقوله: الْقَلْبُ فِي سَيْرِهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَنْزِلَةِ الطَّائِرِ، فَالْمَحَبَّةُ رَأْسُهُ، وَالْخَوْفُ وَالرَّجَاءُ جَنَاحَاهُ، فَمَتَى سَلِمَ الرَّأْسُ وَالْجَنَاحَانِ فَالطَّائِرُ جَيِّدُ الطَّيَرَانِ، وَمَتَى قُطِعَ الرَّأْسُ مَاتَ الطَّائِرُ، وَمَتَى فُقِدَ الْجَنَاحَانِ فَهُوَ عُرْضَةٌ لِكُلِّ صَائِدٍ وَكَاسِرٍ، وَلَكِنَّ السَّلَفَ اسْتَحَبُّوا أَنْ يَقْوَى فِي الصِّحَّةِ جَنَاحُ الْخَوْفِ عَلَى جَنَاحِ الرَّجَاءِ، وَعِنْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الدُّنْيَا يَقْوَى جَنَاحُ الرَّجَاءِ عَلَى جَنَاحِ الْخَوْفِ. انتهى.

وقال أيضا طيب الله ثراه: سبب هذا اقتران الخوف من الله تعالى بحبه وإرادته، ولهذا قال بعض السلف: "من عبد الله تعالى بالحب وحده فهو زنديق، ومن عبده بالخوف وحده فهو حروري، ومن عبده بالرجاء وحده فهو مرجئ، ومن عبده بالحب والخوف والرجاء فهو مؤمن", وقد جمع الله تعالى هذه المقامات الثلاثة بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ} فابتغاء الوسيلة هو محبته الداعية إلى التقرب إليه، ثم ذكر بعدها الرجاء والخوف فهذه طريقة عباده وأوليائه. انتهى

ونسأل الله تعالى أن يرزقنا محبته، والخوف منه، ورجاء ثوابه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني