الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

ما هو فقه رد ظلم المعتدين من المسلمين عليّ حتى لا أقع في ظلمهم؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا باب واسع جدًّا، وقد أفرد له الفقهاء أبوابًا فصّلوا فيها أحكامه تحت عنوان دفع الصائل، فيسعك أن ترجع إلى شيء من الكتب المصنفة، أو الأبواب المبثوثة في تصانيف العلماء بهذا الخصوص، ولكننا ننبهك إلى أن من وقع عليه ظلم أو اعتداء جاز أن يرد بمثل ما اعتدي عليه به؛ لقوله تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ {البقرة:194}.

ولكن لا يجوز أن يسيئ إلى غير من أساء إليه، فلو شتمك شخص فقال: يا ابن كذا، لم يجز أن تسب أباه، بل تقول له: يا فاسق، أو يا ظالم، ونحو ذلك، وقد بينا ضوابط رد السباب، ونحوه في الفتوى رقم: 130331 فلتنظر.

ومن فقه رد الاعتداء ألا يقع بشيء محرم، وانظر الفتوى رقم: 191273، ومع هذا كله فالعفو والصفح أفضل؛ لقوله تعالى: فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ {الشورى:40}، ولقوله: وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ {النحل:126}.

وذلك أن من رد السيئة بمثلها لا يأمن الحيف، والمجاوزة، فشرع له العفو ليكون في عافية.

وللقاسمي كلام حسن في فقه رد الاعتداء ننقله لنفاسته، قال -رحمه الله-: نقل السيوطي في (الإكليل) عن الكيا الهراسيّ أنه قال: قد ندب الله إلى العفو في مواضع من كتابه، وظاهر هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ. أن الانتصار أفضل. قال: وهو محمول على من تعدى وأصرّ؛ لئلا يتجرأ الفساق على أهل الدين. وآيات العفو فيمن ندم وأقلع. انتهى. وعجيب فهمه الأفضلية من الآية، فإنها لا تدل عليه عبارة، ولا إشارة. فإنه تعالى لم يرغب في الانتصار. وإنما بين أنه مشروع لهم إذا شاؤوا. ثم بين بعده أن مشروعيته بشرط رعاية المماثلة. ثم بين أن العفو أولى، وهو الذي انتهى إليه الكلام، وتم به السياق. وكذلك لا حاجة إلى حمل الانتصار على من تعدى؛ وذلك لأن الانتصار بالمثل من فروع علم العقوبات والجزاء المشروعة لإقامة الحق والعدل، ودفع الظلم عن النفس والصغار، ورفع الأحقاد والأضغان.

وأما العفو والصفح، فذاك من فروع علم الأخلاق وتهذيب النفوس؛ لأنه من باب المسامحة بالحق وإسقاط المستحق، رغبة في تزكية النفس، وهضمًا لها، وحرصًا على خير الأمرين وأوفر الأجرين، وكلاهما من محاسن الشريعة الحنيفية، وتوسطها بين الاقتصاص البتة والعفو كليًّا لأن العقل السليم يرى فيهما إفراطًا وتفريطًا، والدين دين الفطرة، وهي تتقاضى القصاص بالمثل، وتراه حقًّا لها بجبلّتها والقضاء الأدبيّ، والوازع الرحمانيّ يرشدها إلى ما هو أمثل إن شاءت، ويبرهن لها أمثليته، مما لا يبعد، إذا راجعت نفسها وثابت إلى رشدها، أن تؤثره ولا تؤثر عليه، كيف؟ وقد دل قوله تعالى: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ. كما قال الزمخشريّ، على أن الانتصار لا يكاد يؤمن فيه تجاوز السيئة والاعتداء، خصوصًا في حال الحرد والتهاب الحمية. فربما كان المجازى من الظالمين، وهو لا يشعر. انتهى.

وبعد، فالمسألة طويلة الذيل، وهذا ما تحتمله هذه الفتوى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني