الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الفائدة من تكرار قوله تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى

السؤال

ما هي الفائدة من تكرار قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى)

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالتكرار في القرآن العزيز له أسرار بديعة تناولها العلماء بالشرح والإيضاح، وأفردت لذلك كتب ومصنفات، ككتاب الكرماني في أسرار التكرار في القرآن، والمعنى العام الذي لأجله يحصل التكرار هو تأكيد المعنى المراد التنبيه عليه، وزيادة الاعتناء به، وبيان أنه حقيق بأن يتدبر ويتأمل.

قال أبو زهرة: وهكذا التكرار في القرآن لَا يعد تكرارا؛ لأن ذكر اللفظ المكرر يكون ذكره لمقصد آخر، غير المقصد. اهـ ثم نقل عن الزمخشري قوله: وعلى هذا تكرار العلماء الحذاق في كتبهم لَا يخلون المكرر من فائدة زائدة. انتهى.

فإذا علمت هذا؛ فإن قوله تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. قد أتى في القرآن في غير موضع، كما في سور الأنعام وفاطر والزمر والإسراء، وجاء في سورة النجم حكاية عما في صحف إبراهيم وموسى: أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى.

وكل هذا تأكيد لعدل الله تعالى في خلقه، وأنه لا يظلم نفسا شيئا، ولا يحملها ما لم ترتكب من الإثم، وتأكيد كذلك للمسؤولية الفردية، وأن كل شخص محاسب بما كسب، مجازى بما قدمت يداه، قال القاسمي رحمه الله: وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى. قال ابن كثير: إخبار عن الواقع يوم القيامة من جزاء الله تعالى وحكمه وعدله أن النفوس إنما تجازى بأعمالها، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد. وهذا من عدله تعالى. انتهى

وقال أبو السعود: كانوا يقولون للمسلمين: اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ إما بمعنى ليكتب علينا ما عملتم من الخطايا لا عليكم، وإما بمعنى لنحمل يوم القيامة ما كتب عليكم من الخطايا- فهذا رد له بالمعنى الأول. أي لا تكون جناية نفس من النفوس إلا عليها. ومحال أن يكون صدورها عن شخص وقرارها على شخص آخر، حتى يتأتى ما ذكرتم، وقوله تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى رد له بالمعنى الثاني. أي: لا تحمل يومئذ نفس حاملة، حمل نفس أخرى، حتى يصح قولكم. تنبيه: قال السيوطي في (الإكليل) : هذه الآية أصل في أنه لا يؤاخذ أحد بفعل أحد.، وقد ردت عائشة به على من قال: إن الميت يعذب ببكاء الحي عليه. أخرجه البخاري ، وأخرج ابن أبي حاتم عنها أنها سئلت عن ولد الزنى؟ فقالت ليس عليه من خطيئة أبويه شيء. وتلت هذه الآية. انتهى.

ونظير هذه الآية قوله تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا{الإسراء:7}، وقوله: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا {فصلت:46}. وغير ذلك من الآيات.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني