الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لعن المعين ولعن أهل المعاصي من أهل القبلة... رؤية شرعية

السؤال

هل يجوز قياس نص ورد في لعن شخص، على شخص آخر، يقوم بنسبة فساد أكبر من النسبة التي يقوم بها الشخص الذي تم لعنه؟
الرجاء الإجابة، وللتوضيح أكثر أنه ورد نص من السنة النبوية بلعن شخص يقوم بشيء معين.
فهل يصلح أن نقيس هذا على شخص آخر، يقوم بفساد أكبر وأعظم منه، ونطبق عليه الحكم باللعن أم لا؟
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الراجح من أقوال العلماء، أنه لا يجوز لعن المعيَّن، ويجوز عندهم لعن الجنس، إذا كان مستحقاً للعن.
قال بعضهم:
ولا يجوز لعن شخص عُيِّناً وجاز لعن الجنس عند الفطنا

فهذا الشخص المقصود بالسؤال عنه، إن كان من أهل المعاصي والفساد، فيجوز لعنه على سبيل العموم، فيقال لعنة الله على الظالمين، أو المفسدين، أو السارقين، أو نحوها من المعاصي، ولكن لا يجوز أن يقال: لعنة الله على فلان.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في مجموع الفتاوى: كان أهل العلم يختارون فيمن عرف بالظلم ونحوه، مع أنه مسلم له أعمال صالحة في الظاهر ـ كالحجاج بن يوسف وأمثاله ـ أنهم لا يلعنون أحداً منهم بعينه، بل يقولون كما قال الله تعالى: ألا لعنة الله على الظالمين، فيلعنون من لعنه الله ورسوله عاماً، كقوله صلى الله عليه وسلم: لعن الله الخمر، وعاصرها ومعتصرها، وبائعها ومشتريها، وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها. ولا يلعنون المعين، كما ثبت في صحيح البخاري وغيره: أن رجلا كان يدعى حماراً وكان يشرب الخمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجلده، فأتي به مرة، فلعنه رجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تلعنه، فإنه يحب الله ورسوله، وذلك لأن اللعنة من باب الوعيد والوعيد العام، لا يقطع به للشخص المعين لأحد الأسباب المذكورة: من توبة، أو حسنات ماحية، أو مصائب مكفرة، أو شفاعة مقبولة، وغير ذلك.. وطائفة من العلماء يلعنون المعين كيزيد، وطائفة بإزاء هؤلاء يقولون بل نحبه لما فيه من الإيمان الذي أمرنا الله أن نوالي عليه، إذ ليس كافراً، والمختار عند الأمة: أنا لا نلعن معينا مطلقاً، ولا نحب معينا مطلقاً. انتهى.
وقال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: وفي جواز لعن أهل المعاصي من أهل القبلة خلف، محصوله أن اللعن إما أن يتعلق بمعين، أو بالجنس فلعن الجنس يجوز، والمعين موقوف على السماع من الشارع، ولا قياس. انتهى.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: الفرق بين لعن المعين، ولعن أهل المعاصي على سبيل العموم؛ فالأول ممنوع، والثاني جائز، فإذا رأيت من آوى محدِثًا؛ فلا تقل: (لعنك الله)، بل قل: (لعن الله من آوى محدثًا)، على سبيل العموم، والدليل على ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما صار يلعن أناًسا من المشركين من أهل الجاهلية بقوله: (اللهم العن فلانًا، وفلانًا، وفلانًا)؛ نُهي عن ذلك بقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} [آل عمران: 128]، فالمعين ليس لك أن تلعنه، وكم من إنسان صار على وصف يستحق به اللعنة، ثم تاب، فتاب الله عليه. انتهى.

وللفائدة، يرجى مراجعة هذه الفتوى: 285763.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني