الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأخذ من مال الزوج دون علمه مقابل التقليل من الطعام

السؤال

زوجي لا يقصر في المأكل، والمشرب، والملبس، لكنه لا يعترف تقريبًا بأي شيء آخر، كمصروف شخصي، أو أن يهدي لي خاتمًا من الذهب؛ بحجة أننا في حالة تكوين، وليس لدينا منزل، علمًا أننا نعيش في الغربة، وأنا أتحمل الوحدة، والأطفال، وعدم الخروج، فهل يجوز لي أن آخذ من المال دون علمه، بشرط أن أنقص على نفسي أكل وجبة أو وجبتين في اليوم؟ وبذلك أكون قد أخذت قيمة الوجبات التي لا أتناولها شهريًّا؛ حتى أتمكن من شراء أغراض لا يعترف هو بشرائها.
أرجو أن تدعوا لي، ولذريتي، ولزوجي بالصلاح، والهداية، والسعادة -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالأصل أنه يحرم على المرأة أن تتصرف في مال زوجها بغير إذنه، روى أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه.

وقد أذن الشرع في بعض الحالات للزوجة أن تأخذ من مال زوجها بغير إذنه، وذلك فيما إذا بخل بالنفقة، فتأخذ كفايتها وولدها بما يجري به العرف، كما في الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة ـ رضي الله عنها -: أن هندًا ـ رضي الله عنها ـ قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبا سفيان رجل شحيح، فأحتاج أن آخذ من ماله؟ قال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف.

قال ابن قدامة الحنبلي في المغني: وفيه ـ أي: الحديث ـ دلالة على وجوب النفقة لها على زوجها، وأن ذلك مقدر بكفايتها، وأن نفقة ولده عليه دونها مقدر بكفايتهم، وأن ذلك بالمعروف، وأن لها أن تأخذ ذلك بنفسها من غير علمه، إذا لم يعطها إياه. اهـ.

وهذا يعني أنه إذا كان قائمًا بالنفقة، فلا يجوز لها أن تأخذ بغير إذنه، ولا يلزم الزوج أن يملك زوجته النفقة، ولو أنه ملكها إياها جاز لها أن تتصرف فيها بما هو مباح شرعًا، إن لم يترتب عليها من ذلك ضرر، قال البهوتي الحنبلي في الروض المربع: وتملكها ـ أي: الكسوة ـ بالقبض مع نفقة، أي وتملك النفقة أيضًا بالقبض... اهـ.

وقال ابن قدامة: وإذا دفع إليها نفقتها، فلها أن تتصرف فيها بما أحبت، من الصدقة، والهبة، والمعاوضة، ما لم يعد ذلك عليها بالضرر في بدنها، وضعف جسمها... اهـ.

فتبين بهذا أنه لا يجوز لك الأخذ من مال زوجك بدون علمه، ما لم يمتنع عن الإنفاق، وأنه إذا ملكك هذه النفقة جاز لك أن توفري منها شيئًا من المال لحاجتك، إن لم يترتب على ذلك ضرر، وضعف في البدن، وجواز التصرف؛ لكونك ملكت هذا المال، فصار حقًّا لك تتصرفين فيه بما شئت، كالمهر.

وأما عدم جواز التصرف فيه على وجه يضر بك، فلما فيه من تفويت شيء من حقه منك في الاستمتاع.

وننصح الزوج بالتوسيع على أهله إذا وسّع الله عليه، وإهداؤه لزوجته نوع من حسن العشرة، يكتسب به مودتها، وتقوى به عشرتها، روى أحمد عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تهادوا، فإن الهدية تذهب وغر الصدر. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط: حسن.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني