الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام من ترك مالا ونذره للسيد البدوي

السؤال

ترك والدنا مبلغا ماليا، قد نذز للسيد البدوي، فهل هناك حرمة في توزيع المال كميراث يختص به كل وارث كيف ما شاء؟ أم نوفي بالنذر ونخرج هذا المبلغ لله؟ وما هي أوجه الإنفاق الأفضل في ذلك؟ وهل ينعقد النذر في هذا أم لا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان أبوك قد نذر هذا المال لهذا الشخص المقبور، فنذره هذا من الشرك، وهو نذر غير منعقد ولا يجب، بل ولا يجوز الوفاء به، قال شيخ الإسلام رحمه الله: والنذر للمخلوقات أعظم من الحلف بها، فمن نذر لمخلوق لم ينعقد نذره، ولا وفاء عليه باتفاق العلماء، مثل من ينذر لميت من الأنبياء، والمشايخ، وغيرهم، كمن ينذر للشيخ جاكير، وأبي الوفاء، أو المنتظر، أو الست نفيسة، أو للشيخ رسلان، أو غير هؤلاء، وكذلك من نذر لغير هؤلاء زيتًا، أو شمعًا، أو ستورًا، أو نقدًا ـ ذهبًا، أو دراهم ـ أو غير ذلك، فكل هذه النذور محرمة باتفاق المسلمين، ولا يجب، بل ولا يجوز الوفاء بها باتفاق المسلمين، وإنما يوفي بالنذر إذا كان لله عز وجل، وكان طاعة، فإن النذر لا يجوز إلا إذا كان عبادة، ولا يجوز أن يعبد الله إلا بما شرع، فمن نذر لغير الله، فهو مشرك أعظم من شرك الحلف بغير الله، وهو كالسجود لغير الله. انتهى.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: وهذا النذر لغير الله لا ينعقد إطلاقًا، ولا تجب فيه كفارة، بل هو شرك تجب التوبة منه؛ كالحلف بغير الله، فلا ينعقد، وليس فيه كفارة. انتهى.

ولا يحكم بكفر والدكم والحال هذه ما لم يتيقن أن الحجة الرسالية قد قامت عليه وبلغه نهي الشرع عن مثل ذلك الصنيع. وأما إن كان أبوكم قد نذر هذا المال لعمارة هذا الضريح ونحو ذلك فنذره هذا نذر معصية، وهو غير منعقد كذلك، ولا تلزم الكفارة فيه عند الجمهور، وتلزم عند بعض أهل العلم، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وَكَذَلِكَ النَّذْرُ لِلْقُبُورِ، أَوْ لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقُبُورِ، كَالنَّذْرِ لِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، أَوْ لِلشَّيْخِ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٍ، أَوْ فُلَانٍ، أَوْ لِبَعْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ، أَوْ غَيْرِهِمْ، نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الدِّينِ، بَلْ وَلَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ ـ وَفِي السُّنَنِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ، وَالسُّرُجَ ـ فَقَدْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَبْنِي عَلَى الْقُبُورِ الْمَسَاجِدَ، وَيُسْرِجُ فِيهَا السُّرُجَ، كَالْقَنَادِيلِ، وَالشَّمْعِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَإِذَا كَانَ هَذَا مَلْعُونًا، فَاَلَّذِي يَضَعُ فِيهَا قَنَادِيلَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَشَمْعِدَانَ الذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ، وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْقُبُورِ أَوْلَى بِاللَّعْنَةِ، فَمَنْ نَذَرَ زَيْتًا، أَوْ شَمْعًا، أَوْ ذَهَبًا، أَوْ فِضَّةً، أَوْ سِتْرًا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، لِيُجْعَلَ عِنْدَ قَبْرِ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، أَوْ الْقَرَابَةِ، أَوْ الْمَشَايِخِ، فَهُوَ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ لَا يَجُوزُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَهَلْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ؟ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ، وَإِنْ تَصَدَّقَ بِمَا نَذَرَهُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَرَاءِ الصَّالِحِينَ، كَانَ خَيْرًا لَهُ عِنْدَ اللَّهِ، وَأَنْفَعَ لَهُ، فَإِنَّ هَذَا عَمَلٌ صَالِحٌ، يُثِيبُهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، وَلَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. انتهى.

والحاصل أن هذا المال مما يجوز لكم الانتفاع به وتقسيمه من جملة ميراث أبيكم، ولا يجوز لكم صرفه في الجهة المذكورة، ولو تصدقتم به عن أبيكم في جهة من جهات البر لكان ذلك حسنا؛ كما مر بك في كلام شيخ الإسلام رحمه الله. والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني